القرعة تتباهى بشعر أختها التركية
منذ اجتاح الوطن العربى هدير الربيع العربى برياحه الخماسينية برزت قوى الإسلام السياسى، خاصة جماعة الإخوان المسلمين التى تملكت السلطة التنفيذية والتشريعية، وراحت تؤكد على أنها فى طريقها للنجاح كالتجربة التركية التى يحكمها أردوغان وحزبه العدالة والفضيلة الذى يعود أصله للجماعة، وينهج الإسلام السياسى كما يقولون، وليس هناك من خلاف على قيمة وقامة تجربة أردوغان التركى على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ولذا تلوح جماعة الإخوان وغيرها وتتباهى بالتجربة التركية وتدلل بها دائماً على قدرة الإسلاميين على الحكم بل هم يطلبون منا الصبر على المر الذى نحياه لأن غداً يحمل لنا فى حكمهم الخير كما حدث فى تركيا بل أكثر، لأن الغد معهم جنة على الأرض وفى السماء.
ولهؤلاء الحالمين أقول: عفواً تركيا ليست مصر.. وإخوان مصر ليسوا أتراكاً.
ودعنى أرصد بعضا من بعض ظواهر التجربة التركية ومقارنتها بالحالة المصرية حتى لا يلتبس الأمر على حسنى النية.
> فى أغسطس 2001 قدم رجب طيب أردوغان طلباً للترخيص لحزب العدالة والتنمية، واعتبر أن حزبه ليس وريثاً لحزب إسلامى، بقدر ما هو وريث لحزب ليبرالى، وهو حزب العدالة الذى كان زعيمه عدنان مندريس، وقد ضمت الهيئة التأسيسية للحزب ما يقرب من 13 امرأة منهن مطربة وممثلة وطبيبة ومعلمة إضافة إلى العديد من الشخصيات التى كانت تشكل التيار المعتدل، داخل تجربة حزب الفضيلة المحظور وفئة أخرى جاءت من أحزاب قومية وعلمانية.
فى مصر ترى كم امرأة فى الهيئة التأسيسية لحزب الإخوان، وهل يقبلوا بإلهام شاهين مثلا عضوة أو بأنغام؟
> إن أداء الإسلاميين فى حكم تركيا لم يعتمد على الشعارات الدينية، لأنها محظورة الاستخدام بنص فى الدستور، بل إن الحركة الإسلامية التركية التى أسسها نجم الدين أربكان، وتابعها تلميذه أردوغان غلبت عليها الروح العملية، بدلا من المجادلات الإيديولوجية، فركزوا جهودهم فى تأصيل فكر الحداثة فى الساحة الإسلامية من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدنى، حتى راح البعض يطلق عليهم حزب العلمانية المؤمنة.
فى مصر كل ما هو ليس إسلاميا هو كافر.. والمجادلات الإيديولوجية استغرقت الإسلاميين وشعار الإسلام هو الحل، صار وسطياً إلى جوار شعارات قل نعم تدخل الجنة!
> منذ أن بدأ أربكان بحزب الرفاه الذى يمثل خلفية إسلامية، مروراً بحزب الفضيلة، ثم أخيراً حزب العدالة والتنمية، وأصوات الناخبين لهم فى إزدياد، حتى الأكراد الذين يمثلون %20 من الشعب، وكانوا دائماً يشكلون صداعاً للحكام، صوت نصفهم فى انتخابات 2011 لصالح حزب العدالة والتنمية، نتيجة لنجاح الحزب فى احتوائهم والعمل على حل مشاكلهم وإنصافهم، بعد تعنت سياسات تجاههم امتدت لثمانية عقود، فقد افتتحت أول قناة باللغة الكردية، وتم إحياء مشروع تنمية الجنوب الشرقى للبلاد ذى الأغلبية التركية وتتم دراسة تقديم اللغة الكردية فى المدارس كخيار على أقل تقدير مع لغات أخرى.
فى مصر كم من المسيحيين الذين يشكلون أقلية صوتوا للحرية والعدالة فى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وهل من الممكن فى انتخابات مقبلة، أن يصوتوا لهم وماذا قدم لهم الحزب الحاكم، هل أقر مثلاً قانون دور العبادة؟
> قام أردوغان منذ تولى الحكم بتبنى حملة تسمى هيا يا فتيات إلى المدرسة، لأن نحو 700ألف فتاة لم تلتحق بالمدارس فى تركيا، وتشجيعاً للأهل، فقد فتح حساباً باسم الأم للإنفاق على تعليم البنات وليس الأولاد.
فى مصر تمارس ضغوط فى لجنة إعداد الدستور وأغلبيتها إخوان، لعدم إقرار منع الاتجار بالبنات ويطالب بعض أعضائها بإباحة زواج البنات عند التاسعة.
> حين تولى أردوغان رئاسة بلدية إسطنبول ممثلا لحزب الرفاه الإسلامى عام 1994، كانت إسطنبول أشبه بطفل شريد، لم يستحم منذ عقود، فقرر أنه سيعمل على عودتها لسابق عهدها نظيفة منسقة الحدائق، مياه صنابيرها تصلح للشرب، فكان عام 1996 هو عام المياه النظيفة وعام 1997 عام البسفور نهرها الشهير، وعام 1998 عام بحر مرمرة، ومشروعاته، واستطاع أن يجعل من اسطنبول قبلة سياحية للعالم وقبلة لأهلها أيضاً.
فى مصر أعلن الإخوان منذ تولى مرسى خطة المائة يوم لحل مشاكل النظافة والمرور، وأعتقد رغيف العيش، ولم نعرف حتى الآن متى ستنتهى المائة يوم التى يمطونها كل يوم، ورب قائل يتعجب وكيف تطلبين منهم حل كل تلك المشاكل المتراكمة فى مائة يوم؟ ولهذا أقول لست أنا التى زعمت أنهم يستطيعون، هم الذين وعدوا، ولكنهم وعدوا بما لا يستطيعون فبدت وعودا تستدعى السخرية، أما مشروع النهضة الذى خرج علينا خيرت الشاطر بأنه مازال فى طور التفكير، وحكاية الأربعين سنة لتحقيقه فهى حكاية أخرى.
> انتشرت كالنار فى الهشيم المسلسلات التركية فى الوطن العربى، ويتم دبلجتها حتى يتعرف العرب على الأتراك وحياتهم، وصار نجومها الأعلى نجومية حتى بين المصريين، وتشجع الدولة هذه الصناعة ولا تضع عليها أى محاذير رقابية مما انعكس على الاقتصاد والسياحة التركية.
فى مصر حدث ولا حرج عن الخوف فى مجال الإبداع، وحين يصرح وزير الإعلام التابع للحزب بأنه سيمنع مثلاً مسلسل الجماعة من العرض والإنتاج، لأنه يتعرض لما لا يعجب جماعته، فكيف يأمن أى مبدع أو يعرف ما سيعجب ولا يعجب سيادته!
> وقفت الحشود فى اسطنبول تنتظر عودة أوردغان من منتدى دافوس الاقتصادى ملوحة بالأعلام التركية والفلسطينية، مرددين هتافات «الموت لإسرائيل، ونحن فخورون بك يا أوردوغان» لأن رئيس الوزراء التركى كان قبلها قد انسحب غاضباً من جلسة فى المنتدى يحضرها بيريز، بعد أن واجهه ببشاعة جرائمهم فى غزة، وقال إنه يأسف بشدة لأنه يرى الحضور فى القاعة يصفقون لقتل الأبرياء، مؤكدا أن ما فعلته إسرائيل غير إنسانى، وحين لم يمنحه المحاور وقتاً كافياً للرد انسحب ليثبت أن كرامته من كرامة البلد الذى يحكمه.
فى مصر أراد وحشد الحزب الحاكم الجماهير للقاء الرئيس مرسى، بعد أن عاد من إيران لما اعتبروه نصراً مبينا، لأنه استهل خطابه فى بلد شيعى بالصلاة على النبى الكريم والصحابة المكرمين، وهى مسألة بين طائفتين من المسلمين، فيها إغاظة لطرف لا يجب أن تكون ضمن تفكير رؤساء الدول فهى عمل شيوخ ومشاكلنا مع إيران بالتأكيد لن يحلها الصلاة على الصحابة!
فى مصر مثل شائع يقول القرعة تتباهى بشعر بنت أختها.. وقد تكون أختها أو أى حد!!