قالك هَم يضحك.. وهَم يبكى، طبعاً ألف مين هيطلع يقول: هو إحنا فيه إيه ولا فى إيه؟ لا بقى.. الحقيقة إنه كله مرتبط ببعضه، وكله بينفد على بعضه: إحساسنا بالذات والكبرياء، أن نعترف بهويتنا ونقترب أكثر منها، أن نمارس فعل اكتشاف الذات، أن نتعامل مع أنفسنا باعتبارنا «بنى آدمين» مش مجرد تحصيل حاصل للبشرية.
الشبكة الاجتماعية الأكثر سحراً فى عالمنا «الفيسبوك»، تلك التى تدهشنا بما تفعله بنا يوماً بعد آخر، «تقيم» ثورات و«تقعدها»، تخلق تواصلاً جبرياً، ومشاعر افتراضية، تصيبنا بإدمانٍ مبتكر، تفعل بنا ما تشاء، ثم الجديد أنها تمنح الفتيات فرصةً لاقتباس وجوهٍ لأخريات.
لاحظ معى.. ستجد أن كثيرا من الفتيات يضعن فى الـ profile picture صوراً لفتيات مجهولات، يخترنها من الإنترنت، ولا يخبرنى أحد أنها محاولة لممارسة العملية الشهيرة «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل»، فبعد تدقيق عميق فى الكثير من الفتيات اللاتى يفعلن ذلك وأعرفهن بصفة شخصية، وجدت أن الصورة المختارة لا بد أن تشبه الفتاة من زاويةٍ ما، إما أنها بالفعل تشبه ملامحها إلى حدٍ كبير، أو تشبه طموحها فى الحياة.
المصادفة التى قادتنى لاكتشاف ذلك بدأت بالفضول، ومرت بالتدقيق ومحاولة الربط بين كل فتاة والصورة التى اختارتها بديلاً لها، وانتهت إلى قناعة تامة ويقين مستقر، بأن ما تفعله الفتاة هنا هو بوضوح اقتباس لأُخرى تتمناها.
اللعبة التى «قلبت جد» آلمتنى كثيراً، أتعرفون لماذا؟ هؤلاء الفتيات يزداد عددهن يوماً بعد الآخر، بصورة جعلت أنه من العادى الآن أن تستبدل الفتاة صورتها، وأن تصبح صفحتك هى مجرد أمنيات متخفية لفتياتٍ حالمات.. وعاجزات.
فما الذى يجعل فتيات فى مقتبل أعمارهن يفعلن ذلك؟ هل هو إحباط مبكر؟ من ماذا؟ لو أن إنساناً يستبدل وجهه فما الذى يتبقى له؟ ماذا يعنى أن تستبدل امرأة بوجهها وجه أخرى؟ هى تقتل هويتها بيدها: وجهها، أكثر ما يحق لها أن تعتز به.
هل هو استمرار للآلية المحببة لدى المصريين: تجاهل الآلام والهروب من الواقع بحيل مبتكرة ومستمرة؟
أن تضع فتاة صورة لأخرى، تسمح لشعرها بالانطلاق إلى كل حدود الدنيا، فيما هى «الفتاة» تحبس خصلات شعرها وتدرك أنه ما من يومٍ آت ستعرف هذا الشعور.
أن تضع فتاة صورة لأخرى، تركض على شاطئ البحر، غير عابئة بتطاير ثيابها، تتحد مع الهواء وتقبل على الماء فحسب، فيما هى «الفتاة» تعرف أن «ألف عين وعين مفتوحين» لو أنها تجرأت.
أن تضع فتاة صورة لأخرى، تمارس شبابها، فيما هى «الفتاة» تعرف أن حكماً بالشيخوخة قد صادر هذا الشباب مسبقاً، كونها أنثى فى مجتمع يعيش أسوأ لحظات انحطاطه.
ماذا يتبقى من كل هؤلاء الفتيات يوماً، وكيف يكون وطن، تبنيه أمهات عاجزات عن الحياة، لم يختبرن الشباب، ولم يعرفن أن الحلم يليق بما هو أكثر من ممارسة أفعال هى بالضرورة ضمن طبيعة «الإنسان». كل ما سيتبقى هن نساء يائسات، أمهات ضعيفات، شريكات خائبات، ومواطنات درجة عاشرة.
الكلام هنا.. ليس ترفاً ولا رفاهية، ولا احترام كيان الأنثى كان يوماً كذلك، الأنثى: أم وزوجة وشريكة ومواطنة على الدرجة نفسها، احترام أحلامها، وتدعيم إحساسها بالذات، هو عصب بناء الوطن، وطن كأوطان المجتمعات المتحضرة، المجتمعات التى تليق بنفسها بعد الثورات، لا المجتمعات التى تثور ثم ما تلبث أن تجتر آثام الماضى حيال النساء.
وطن يليق بنسائه هو تماما ما نحن فى حاجة إليه الآن، وطن تسير فيه النساء مرفوعات الرأس، محميات لا مشاع، يجنين ما تزرعه أعمارهن المفنية فى خدمة الجميع، يلقين الاحترام فى كل مكان وكل وقت، يأمن على أرواحهن وشبابهن وشيخوختهن.. وأحلامهن.
هكذا وإلا.. لا أمل.. لا أمل.