من حين لآخر تبرز أمام عينى صورة الشاب الذى أقدم على إلقاء نفسه أمام سيارة محافظة سوهاج ليأسه من إيجاد فرصة عمل شريفة تضمن له حياة كريمة، الشاب الذى ظل اسمه هكذا «شاب» كدليل على عدم اهتمام الإعلام به وبحالته اليائسة كان من ذوى الاحتياجات الخاصة، لم يذنب فى شىء حينما قدر الله عليه هذا الابتلاء، ولم يذنب كذلك حينما تعلم واجتهد ليحصل على مكانة مناسبة فى المجتمع، ولم يذنب حينما اعتلى مصر ثلة من السارقين ليتجنوا عليه وعلى ملايين غيره، ولم يذنب حينما حلم بتغيير حقيقى يصل إليه بعد ثورة رفعت سقف الأحلام إلى حدها الأقصى ثم هبطت بها إلى حد الكفاف، فلم نصب أحلاما ولم ننل كفافا، وبرغم أنه لم يذنب فى كل هذا لكن مجتمعنا يصر دوما على عقابه على ما لم يقترفه، وكأننا مصابون بداء التشفى، ملعونون بقسوة القلب، مفطورون على استعذاب تعذيب الآخرين.
لا أدعوك إلى التعاطف مع هؤلاء المواطنين الذين اختبرهم الله بابتلائه فصبروا على الاختبار، فنحن «الأصحاء» أحوج إلى التعاطف منهم، وقد منحنا الله ما لم نقدره من نعم أعمتنا عن رؤية المبتلين، لكنى فقط أطالب المجتمع كله بالسعى إلى ضمان أن يعيش هؤلاء الناس كبشر عاديين، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأدعو الدولة متمثلة فى مؤسساتها الرسمية إلى القيام بواجبها نحو تلك الفئة المضطهدة والتى تتجرع ويلات الاضطهاد كل يوم، ولتتخيل ما يعانيه صاحب الاحتياجات الخاصة إذا ما حاول يوما أن يخرج من بيته قاصدا قضاء إحدى مصالحه، فهو معذب فى ارتقاء الرصيف، ومعذب فى ركوب المواصلات، ومعذب فى دخوله الحمام، ومعذب من نظرة الناس إليه، ويتعاظم التعذيب إذا ما كان هذا المواطن فقيرا، فيعذب أيضا فى سعيه لشراء «كرسى متحرك» ومعذب فى شراء «جهاز» يساعده على الحركة، ومعذب فى متابعة حالته فى المستشفيات والعيادات، فإلى متى سيظل هذا التعذيب؟
يقر القانون بأن من حق ذوى الاحتياجات الخاصة أن يتم تعيينهم فى الوظائف الحكومية بنسبة %5، لكن لا %5 تطبق ولا حتى 5 فى الألف، وبرغم أن عددهم فى مصر يصل إلى ما يقرب من 7 ملايين مواطن، لكن لا أحد يهتم بهم ولا بمطالبهم، ذلك لأنهم نادرا ما يتمكنون من الذهاب إلى لجان الانتخابات والإدلاء بأصواتهم، ولو كان الأمر مختلفا لأجبر كل المرشحين على التودد لهم ومراعاتهم، وهو الأمر الذى جعل الشاعرة السكندرية «وفاء بغدادى» – وهى بالمناسبة من أصحاب الاحتياجات الخاصة–تصرخ أكثر من مرة فى مقالاتها المنشورة على موقع اليوم السابع من تعنت الحكومة مع مطالبهم التى لن تكلفها أكثر من «جرة قلم».
هل كثير على 7 ملايين مصرى أن نحاول جاهدين أن ندمجهم فى المجتمع وأن نفعل قانون الـ%5 وأن نخصص لهم مكاتب للتعامل معهم فى المصالح الحكومية وأن نراعى حالاتهم فى تصميم مبانينا وطرقنا وفنادقنا، وهل كثير على تلك النسبة أن نخصص لمن لا يقدرون منهم على العمل معاشا مناسبا يستعينون به على الحياة الكريمة بدلا من التسول على الأبواب والطرقات؟ وهل كثير عليهم أن نمكنهم من التصويت الإليكترونى فى الانتخابات لكى يضمنوا أن صوتهم سيصل إلى من يراعى حقوقهم؟ وهل كثير عليهم أن نعدل قانون استيراد السيارات المخصصة لهم مع ضمان عدم استغلال ظروفهم وحاجتهم لكى نهون عليهم بعض ما يلاقونه.
أعود إلى صورة «الشاب» الذى ألقى بنفسه أمام سيارة محافظ سوهاج وأتذكرها، فلا يفزعنى إلا ما تناهى إلى سمعى من أن بعض هؤلاء المواطنين سيقومون بعملية انتحار جماعى فى يوم المعاق 10 أكتوبر القادم، فهل سنتحرك قبل فوات الأوان؟ أم سننتظر حتى تحل المصيبة ونعود إلى تلك العادة القذرة التى تلوم المجنى عليه وتبارك الجانى؟