آية المتأخون ثلاث.. إذا تحدث سب اليسار بالباطل، وإذا وعد شباب الثورة أخلف وعوده فى «ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، والعباسية»، وإذا ائتمن على شعارات الثورة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية» خانها ورفع شعارات النهضة الإخوانية، وليس أخطر على الوطن فى هذه المرحلة من «حربايات السياسة» و«حربايات الإعلام» هؤلاء الذين يرتدون جلودا ألبسهم سادتهم القدامى إياها عندما كانوا خدما للحزب الساقط المنحل قبل أن تلبسهم ثورة 25 يناير المجيدة جلد الفلول، وما إن ظنوا أن الأمر قد استقر للسادة الجدد «الإخوان المسلمين» حتى أسرعوا فى ارتداء الجلد المتأخون، حيث يطلقون سخائمهم على «اليسار العميل الذى يقود إضرابات المعلمين وعمال النقل العام والنقابات العمالية والمهنية» ويزحفون باتجاه المناصب الوزارية والهيئات ذات الصبغة الحقوقية والإعلامية ليتطوعوا بتأدية الأعمال التى يأنف الإخوان المسلمون أنفسهم من القيام بها، لكن المتأخونين لا يجدون غضاضة فى تأدية هذه الأعمال مفسرين كل القرارات الرئاسية أو الإخوانية بلىّ للحقائق تقربا وتزلفا للسادة الجدد، أما الإعلاميون المتأخونون فحدث ولا حرج، ولن أذكر أسماءهم ولا مخازيهم، بل أعرض عليهم فقط نموذجا واحدا لصحفية من أصل عربى عاصرت عشرة رؤساء أمريكيين ولم يحدث أن ارتدت جلدا واحدا طوال ثمانين عاما غير جلدها الحقيقى، ففى منتصف شارع «جنوب جورج ميسون» فى ناحية «فولس تشيرش» بمدينة «أرلينجتون» بولاية «فرجينيا» الأمريكية وفى عام 1998 وفى «مقهى «الواحة» لصاحبه «محمد خطاب» القادم من نزلة السمان أسفل أهرامات الجيزة، حيث يجتمع بعض المهاجرين العرب من اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين يلعبون «الشدة» ويدخنون الأرجيلة، فى هذا المقهى كان صاحبه «محمد خطاب» يجهز لها بنفسه يوميا طبقا من «اللبنة» خالية الدسم وطبقا من «السلطة البلدى» على الطريقة المصرية، فلم تكن «هيلين توماس Helen Thomas» تأكل غير ذلك أثناء لقاءاتها مع بعض من تلاميذ وتلميذات كلية الفنون بجامعة «جورج تاون» الكاثوليكية واليسوعية فى العاصمة «واشنطن» التى لا يفصلها عن مدينة «أرلينجتون» سوى الجسر الحديدى فوق نهر «بوتوميك»، وكذلك عدة كيلومترات عن مدينة «ميرلاند» التى توجد بها «مدرسة وولت ويتمان الثانوية» التى يدرس فيها بنات وأبناء شقيقات «هيلين توماس» الصحفية التى غطت أخبار البيت الأبيض منذ كان «جون كيندى» رئيساً، ثم إنها كانت أول صحفية ترافق الرئيس «نيكسون» فى رحلته التاريخية إلى الصين فى العام 1971، ورافقت كذلك الرؤساء «فورد»، «كارتر»، «ريجان»، «جورج بوش الأب»، «كلينتون»، و«بوش الابن»، و«هيلين توماس»، هى أول صحفية تتولى رئاسة نادى الصحافة القومى فى واشنطن، وتحمل أكثر من 30 جائزة صحفية، وشهادات جامعية فخرية، بينها دكتوراه فخرية من جامعتها «دين ستيت» وقد صنفت واحدة من الـ25 سيدة الأكثر تأثيراً فى العالم، وبالذات فى العالم الذى يطلق على نفسه «العالم الحر» ويؤكد ليل نهار - عبر صحافة ووسائل إعلام لا حد لجبروتها- بأن حرية الصحافة والإعلام بلا سقف ولا شاطئ، كانت السيدة «ظل رؤساء أمريكا» أو «بوذا البيت الأبيض» بوجهها الجميل وعينيها ذاتى البريق واللمعة المشعة تحمل فوق كتفيها ثمانين عاما ورائحة أنوثة قديمة لم يستطع الزمن أن يتخلص منها وظلت محتفظة بصوت ناعم آسر، حتى عندما سألها مراسل موقع «رابى لايف» اليهودى عما إذا كان لديها تعليق حول تصدى إسرائيل لـ«أسطول الحرية» فردت «هيلين توماس» بكل بساطة: «قل لهم أن يخرجوا من فلسطين.. يجب أن نتذكر أن هؤلاء الناس محتلون، وأن فلسطين ليست ديارهم، وأن عليهم أن يعودوا إلى ديارهم فى بولونيا وأمريكا وألمانيا والبلدان الأخرى التى قدموا منها، وأى مكان آخر»، قالت ذلك «هيلين توماس»، وتناقل العالم كله ما قالته فأحدث ذلك ما يشبه العاصفة فى الأوساط اليهودية الأمريكية وعلى كل المستويات، وبعد كل محاولات الإعلام الأمريكى قهرها أصدرت تعليقا على موقعها الإلكترونى الرسمى، قالت فيه: «لقد قلت ما أؤمن به وهو أن السلام سيأتى إلى الشرق الأوسط فقط، حين يعترف جميع الأطراف بالحاجة إلى الاحترام والتسامح المتبادل، وأنا أتمنى أن يأتى هذا اليوم قريبا.. لم يكن الإعلام الأمريكى محايدا فى تغطية التدخل الأمريكى فى العراق، وفى تغطية ما سمى بحرب الإرهاب لتزايد الروح الوطنية وسط الصحفيين، خلال الحرب شىء طبيعى لأن الصحفيين، مثل غيرهم، يميلون إلى تأييد حكومتهم ورفع شعارات الوطنية عندما تشترك بلادهم فى حرب، وهذا شىء مفهوم، لكن ليس معنى هذا أنهم يجب أن يفعلوا ذلك.. إذا استمرت الحرب على الإرهاب فقد يغير الشعب الأمريكى رأيه، ويلزم حكومته بإعادة النظر فى سياستها، لن يدوم كل شىء، بعد ظهور قنوات تليفزيون مثل فوكس التى تؤيد البيت الأبيض فى كل شىء وفوكس لا تؤيد البيت الأبيض فحسب، بل إنها جزء منه، وآمل أن يسترد الإعلام الأمريكى مصداقيته، عندما تنتهى الحرب وعندما كنت أطرح أسئلتى عن الشرق الأوسط كانوا لا ينتقدوننى لأن أسئلتى غير المحايدة بل إنهم لا يريدون منى أن أسأل عن هذه الأشياء، لأنها تضايقهم ويتمنون لو أنهم لم يسألوا عنها ولا أحد يصدقهم فهم يعرفون من هى «هيلين توماس»، وفى أول مؤتمر صحفى للرئيس «أوباما» بعد تسلمه الرئاسة حاولت وخز واحدة من حالات النفاق الرئيسية لواشنطن بخصوص المعيار المزدوج الخاص بترسانة الأسلحة النووية المتمردة لإسرائيل- من خلال سؤال للرئيس «أوباما» عما إذا كان يعرف أى بلد فى الشرق الأوسط يمتلك أسلحة نووية، فتعثر «أوباما» فى الإجابة، قائلاً: إنه لا يريد التخمين، عاشت «هيلين توماس» 95 سنة منها أكثر من 70 سنة صحافة ومع 10 رؤساء لأقوى دولة على ظهر الكرة الأرضية تعمل بالصحافة ولم ترتد جلد أى رئيس أو أى حزب حاكم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة