وسط كل هذا الهم السياسى والاقتصادى والاجتماعى، والانسداد المرورى، والتقاطع السياسى، إذ بنا ننتقل إلى جدل آخر أغلبه يقوم على تصريحات أو جدل أو اتهامات وردود وملاسنات وبلاغات، كلها تصنع فرقعة، لكنها لا تصنع حدثاً ولا تثير خبراً.
فقد ترك بعض السياسيين قضايا الدستور المختلف حولها وانتقلوا إلى الجدل حول سن الزواج للبنات والأطفال، أو العلاج ببول الإبل، وأخذت القضايا مساحات واسعة من التوك شو والمناقشات العارمة، وانخرط بعض المشايخ فى جدل عجيب أصروا خلاله على تأكيد أن الزواج ينفع من تسع سنوات، وأدخلوا القرآن والسنة فى الموضوع، دون النظر لزمان ومكان الحدث.
وحتى لو كانت هذه القضايا مطروحة فى زمانها، فلا يمكن اعتبارها من قضايا الحياة والموت بينما نصف شباب مصر وفتياتها، يعجزون عن الزواج لضيق ذات اليد، ولدينا 40 مليون فقير نصفهم تحت خط الفقر، وعشوائيات ومقابر يعيش فيها 15 مليون مواطن معرضون لانحرافات وتشوهات، هل يمكن أن يرتاح ضمير شيخ أو إعلامى وهو يصر على نقل الجدل إلى تحليل زواج طفلة وهل انتهت قضايانا الشرعية لنتفرغ لهذا الأمر؟!
ونفس ما يقال عن هذا يقال عن موضة العلاج ببول الإبل، الذى تحول إلى قضية حياة أو موت، لدى قطاع لا يستهان به من الإعلام، حيث أعلن أحد المنسوبين للعلم أن هناك اتجاها لافتتاح مركز للعلاج ببول الإبل، ورد عليه أطباء وخبراء دواء، وقالوا إن الفوضى فى استخدام المخلفات من شأنها أن تفتح باب الدجل، ثم إن البعض ينسب أحاديث وأقوال حول العلاج ببول الإبل، وكل ما نعلمه أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا بالتداوى، ولم يكن طبيبا. وحتى لو كان العلاج بالبول أو السموم معروفا فله أصوله، التى يعرفها علماء الدواء، سموم الأفاعى يتم استخراج المواد الفعالة منها لعلاج الأمراض وهذا بحسابات وعلوم وليس بفوضى.
ثم إن أمور العلاج والدواء والطب البديل هى نفسها علوم لها خبراؤها ودراساتها، ولا يجوز أن يمارسها كل من هب ودب، وأن يتم ذلك من خلال مراكز طبية وتحت إشراف وزارة الصحة ونقابة الأطباء وعلماء الصيدلة، وهناك قصص كثيرة لمواطنين تعرضوا للخداع باسم العلاج ببول الإبل وساءت أحوالهم لأنهم صدقوا نصائح غيرهم وتلقوا العلاج تحت ضغط اليأس ثم ساءت أحوالهم. وقبل أعوام ظهر دجالون زعموا أنهم يعالجون الكبد الوبائى بالحمام أو بالأعشاب، وكلها اتضح أنها عمليات اتجار بأمراض الناس وآلام الفقراء، ويمكن أن نضرب أمثلة بفقهاء ودعاة ممن يتحدثون عن العلاج بالبول وهم ليسوا أطباء، ثم إنهم عندما يمرضون ينتقلون إلى أرقى المراكز الطبية والمستشفيات الخاصة، فهل يبيعون البول للفقراء، ويعالجون فى أرقى المراكز والمستشفيات؟
وهذه مجرد أمثلة على قضايا وجدل انتقلنا له، بفضل الباحثين عن الفرقعة والفضيحة فى كل كلمة، وكأننا أنهينا كل قضايانا، ولم يعد لنا إلا الانشغال بكل ماهو تافه ومسىء.