كرم جبر

هل قتلت إسرائيل جمال عبد الناصر.. بالسحر الأسود؟

الجمعة، 28 سبتمبر 2012 08:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أغرب الخرافات التى روجت لها إسرائيل أن حاخاماتها هم الذين قتلوا الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، بتكليف من مجلس الحرب المصغر الذى كان يضم جولدا مائير وموشى ديان وأهارون ياريف وإيجال آلون، حيث أجمعوا على أن بقاء إسرائيل فى الوجود مرهون باختفاء عبد الناصر من الحياة، وقرروا اغتياله بالسم أو السحر أو المرض، وقالت جولدا مائير "we will get him"، سوف نتخلص منه.. وتم تكليف رئيس الأكاديمية التلمودية العليا بالقدس الحاخام بنياهو شموئيلى بالعملية.

استعان شموئيلى بثلاثة حاخامات سحرة وأحضروا كبد بهيمة وقلبها ورئتها، واستخدموا أسماء الجلالة اليهودية الواردة فى مخطوط دينى قديم وكتبوا الأسماء القدسية على الكبد لاستخدامه فى قتل عبد الناصر، ولما هبطت عليهم ملائكة من السماء تحذرهم من استخدام اسم رب العزة فى القتل، رد عليهم شموئيلى " لن نستخدم الأسماء المقدسة ولكن عليكم أن تساعدونا فى هذه المهمة وليمت عبد الناصر ويختفى اسمه من سجل الأحياء".

الرواية الخرافية التى بثتها بعض المواقع الإسرائيلية "فيديو" تقول أن الحاخامات أحضروا 1000 مسمار صلب وشرعوا يغرسونها فى قلب البهيمة، ثم وضعوا القلب على موقد طبخ لمدة ثلاثة أيام، حتى تفحم تماما وصار أسود اللون، وبعد ذلك دفنوه وأعلنوا أن عبد الناصر قد مات، وأقيمت الأفراح والزينات وخرج الإسرائيليون يرقصون فى الشوارع ويتبادلون التهانى وكأنه يوم عيد، فقد اختفى عبد الناصر من الحياة، وضمنت إسرائيل البقاء على قيد الحياة.

ورغم أن الرواية من قبيل الخرافات، إلا أنها تكشف النقاب عن حالة الرعب والذعر والخوف التى سيطرت على الإسرائيليين من جمال عبد الناصر، حتى بعد نكسة 67 فوجئت إسرائيل والولايات المتحدة، أنه صلب ولم يركع ونهض بسرعة واستجمع قواه وأعاد بناء جيشه بسرعة مذهلة، وأخذ يستعد ليوم الثأر وإستعادة الكرامة والكبرياء، وكأنهم لم ينجحوا فى القضاء عليه فى ميادين القتال، فطمأنوا شعبهم بعد موته بأنهم قتلوه فى جبهة الشحر والشعوذة.. كانوا يخشوه منتصراً ومنهزماً، حياً وميتاً، حاضراً وغائباً.
**

وإذا كان "السحر الأسود" الإسرائيلى لم ينجح فى قتل عبد الناصر، فقد قتله فعلا "أيلول الأسود" الفلسطينى، ولم يتحمل قلبه المعتل بتصلب الشرايين مذبحة 44 ألف فلسطينى فى الأردن بعد معارك دامية مع الجيش الأردنى، وتم إنقاذ ياسر عرفات من القتل بمعجزة، وخرج من السفارة المصرية مع البعثة الدبلوماسية مرتديا زى امرأة بدينة عليها عباءة سوداء، وكان فى وسع الملك حسين أن يقتله عندما ارتاب فيه جهاز المخابرات الأردنى، ولكنه أمر بأن يتركوه يغادر الأردن.

أيلول الأسود التى تسببت فى موت عبد الناصر حزنا على الفلسطينيين هى محطة سوداء فى تاريخ الفلسطينيين والأردنيين والسوريين معا.. فالفلسطينيون طمعوا فى الأردن واستباحوا سيادته وأراضيه، ولم يراعوا حق الضيافة وأنشأوا دولة داخل الدولة تمنح التأشيرات وتفرض الجمارك وتفتش المدن والمطارات، واستهزأوا بالجيش الأردنى، وقتلوا أحد الجنود وقطعوا رأسه ولعبوا بها الكرة أمام أهله، وحاولوا خلع الملك حسين ودبروا مؤامرات لاغتياله مرتين، وحولوا شوارع عمان الى ميادين للحرب الأهلية.

أما الملك حسين فربما يكون معذوراً فى الاستعانة بالولايات المتحدة لتحمى عرشه، وإرسالها سفنا حربية ووحدات من الأسطول إلى المنطقة، ولكن لم يكن له عذر أبداً فى حرب الإبادة والتصفية الدموية الشرسة للفصائل الفلسطينية فى الأردن وتشريد عائلاتهم وحرق مخيماتهم، وكان الرئيس عبد الناصر لا ينام بالليل والنهار، وبذل جهداً خرافياً أدى إلى إنسداد ما تبقى من شريانه التاجى، وخروج حالته عن سيطرة الأطباء وفاضت روحه لبارئها بعد أن نجح فى توقيع اتفاق القاهرة من أجل حقن الدماء الفلسطينية.

أيلول الأسود محطة سوداء أيضا فى تاريخ سوريا، التى تجنت على عبد الناصر فبل ذلك بتوريطه فى حرب 67 التى لم يكن مستعداً لها، ولعبت دور المنقذ الشرير فى حرب الفصائل الفلسطينية ضد الجيش الأردنى، وأرسل حافظ الأسد وزير الدفاع السورى فى ذلك الوقت معظم جيشه إلى الأردن للحرب بجانب الفلسطينيين، ليس حبا فى سواد عيونهم ولكن لإشعال جبهة القتال بعيداً عن الجولان، ولم يأمر بسحب قواته من الأردن إلا بعد إنذار إسرائيلى باحتلال سوريا التى لم تكن تحميها أيه قوات.. ولم يتحمل قلب عبد الناصر هذا التآمر العربى المهين.
**
مات جمال عبد الناصر فى الساعة السادسة والربع مساء يوم 28 سبتمبر 1970، وكان عمره 52 سنة و8 شهور و13 يوماً، ولم يكن يعانى من أمراض مستعصية يمكن آن تؤدى إلى الموت فى هذه السن المبكرة، سوى السكر الذى أصيب به بعد هزيمة يونيو ونجح الأطباء فى السيطرة عليه، بجانب تصلب الشرايين، وهى أمراض يتعايش معها من هم فى السبعين والثمانين.. ولكن الحقيقة هى أن مشاكل العروبة هى التى قتلت عبد الناصر، مع سبق الإصرار والترصد.

فقبل وفاته بشهرين كان يعمل 16 ساعة فى اليوم، سافر إلى الرباط لحضور القمة العربية، ثم مر على الجزائر وزار طرابلس وبنغازى والخرطوم، ثم طار إلى موسكو وزار الخرطوم وليبيا مرة ثانية، وفى أثناء ذلك كان يتنقل بين القاهرة والإسكندرية وإسوان وجبهة القتال، ويقود حرب الاستنزاف.. ورغم ذلك فقد اتهمته دول الصمود "العراق وسوريا والفلسطينيين" بخيانة القضايا القومية، عندما قبل مبادرة روجرز قبل وفاته بقرابه شهر، وزادت آلامه وأوجاعه وأحزانه من المظاهرات التى خرجت فى عواصم تلك الدول تنادى بسقوطه، فكيف يُتهم الزعيم الذى وهب حياته للعروبة وضحى من أجلها بأرواح ودماء شهدائه، بأنه يخون قضايا العروبة ولم يعد يصلح زعيما لها، ولم يفقد إيمانه آبداً وظل مدافعا عنها حتى النفس الأخير.

أسلم عبد الناصر الروح وقلبه معلق بفلسطين وشعبها وارتفع فوق الصغائر وجحود وغدر قادتها، وكان المشهد الأخير فى مطار القاهرة بعد أن ودع أمير الكويت، وقبله كل الزعماء العرب الذين حضروا القمة الطارئة لوقف مذبحة إيلول الأسود، وعاد إلى بيته وطلب كوب عصير، شربه ومات، تاركا ورائه عشرات من علامات الاستفهام حول أسباب الوفاة.
**
صدمة الموت المفاجئ لعبد الناصر جعلت البعض لا يصدق أبداً أن وفاته طبيعية، حتى بالنسبة لأفراد عائلته، وفى تصريحات صحفية أثارت جدلا صاخباً مؤخرا، أعربت ابنته السيدة "هدى" عن اعتقادها بأن والدها قتل بالسم، وإن كان ذلك قد حدث فإن الذى فعلها - فى رأيها - هو السادات، ولكنها استدركت "لست متأكدة ولا أملك دليلا".. ولم تتوقف هواجس قتل عبد الناصر بالسم عند تلك الرواية، فقد سبقتها اتهامات بأن المدلك الخاص بعبد الناصر الدكتور على العطفى كان يدلكه مستخدما السم بعد أن جندته إسرائيل، ولكن ثبت بعد ذلك أن هذا الطبيب لم يدلك عبد الناصر ولم يدخل غرفة نومه أصلا.

وظهرت وثيقة سرية بريطانية سنة 94 تقول أن السوفيت تورطوا فى إعطائه علاجاً بالأوكسجين أثناء رحلته للعلاج فى موسكو، وهم موقنون أنه سيموت بعد ثلاثة شهور.. والعلاج بالأوكسجين يعطى لرواد الفضاء بنسب وضغط معين لتعويض نقص الأوكسجين لبعدهم عن الجاذبية الأرضية.. ويعطى للمرضى فى الحالات المتأخرة فى تضخم عضلة القلب والمشاكل العميقة فى الرئتين.. ولكن الأطباء المعالجين لعبد الناصر كذبوا هذه الوثيقة، مؤكدين أن الأعراض لم تظهر على عبد الناصر مثل انفجار الرئتين، نتيجة النسبة الخاطئة التى تتحدث عنها الوثيقة.

وهناك من قال إن المخابرات المركزية الأمريكية هى التى دست السم لعبد الناصر، بعد أن نجحت فى تجنيد أحد السفرجية، ووضعه له فى فنجان القهوة أو طبق الشوربة الذى اعتاد تناوله فى فندق النيل هيلتون.. فعبد الناصر كان الخطر الحقيقى الذى يهدد مصالحها، وازدادت كراهيتها له بعد تعاظم الدور السوفيتى فى المنطقة، وطغيان شعبيته ووصفته تقارير المخابرات الأمريكية بأنه "رجل بلا رزائل"، ولم تستطع أن تستقطبه حيا فخططت لإقصائه عن مسرح الحياة.
**
تقرير وفاة عبد الناصر يقول إنه تعرض لصدمة قلبية نتيجة تلف عضلة القلب مما أدى إلى وفاته.. ولم يوضح التقرير أسباب تلف عضلة القلب.. إنها آلام وأزمات العروبة.. الأشد تأثيرا من مفعول السم!!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة