لم تعد الدولة المصرية هى أداة قمع الإسلاميين لمنع وصولهم إلى السلطة، بل يتولى رئاسة تلك الدولة واحد من هؤلاء الإسلاميين، كما أن الإسلاميين حازوا أغلبية فى البرلمان الماضى وسيكون لهم نصيب مقدر فى أية انتخابات أخرى قادمة.
تتطور الدولة المصرية الجديدة نحو احتضان الإسلاميين داخلها لتؤسس لظاهرة جديدة فى التاريخ المصرى هى التحول من الإسلام المواجه للدولة المصرية الكاره لها إلى الإسلام المشارك الذى هو جزء من تلك الدولة وهو من يضع أسسها ولبناتها الجديدة بحكم موازين القوى التى يحوزها فى الشارع وبحكم ما له من رصيد فى نفوس الجماهير، وبحكم أن هذه الجماهير تريد أن تختبر الإسلاميين فى مواقع السلطة والمسؤولية.
انتقل الإخوان من المعارضة إلى الحكم، وانتقل السلفيون من الدعوة إلى الدولة، وانتقل الجهاديون من العنف إلى السياسة، وصرنا نشهد أحزابا إسلامية هى جزء من الدولة المصرية الجديدة بعد الثورة، كما انتقلت النخبة الإسلامية من الهامش إلى المركز، ولم يعد الإسلامى عنوانا للخوف أو القمع أو المنع أو المصادرة أو الحظر.
ليست هذه الفرصة الكبيرة للإسلاميين والتى لم تتح لهم أبدا فى تاريخهم الحديث بلا تحديات، فكما هو شأن الفرصة تحمل هدية ومنحة كما أنها تحمل تحديات ومشكلات، أول هذه التحديات الذى يواجه الإسلاميين هو إصرار فريق منهم على أن يبقى خارج الدولة الجديدة يناكفها ويتحداها بتلك العمليات التى تحدث فى سيناء والتى تشير إلى خلل فى الفكر والتصور يقود بالضرورة إلى أن يفرض الإسلاميون فى السلطة هيبة الدولة فى مواجهة من يريدونها عبثا وفوضى، وهنا لا بد من حوار حقيقى مع هؤلاء الذين يحملون السلاح فى سيناء ويريدون تحدى الدولة والبقاء خارجها وفى مواجهتها وإدراك واقع أن الدولة الجديدة هى فرصة لكل الإسلاميين، عليهم أن يلتزموا بقواعدها وحدودها وألا يربكوها بتصورات صبيانية فارغة عن عالم بلا حدود بين الدول أو تغيير للوضع الاستراتيجى الذى يميل لأعداء الأمة، فالدولة القطرية واقع لا بد من قبوله، كما أن تغيير الوزن الاستراتيجى فى مواجهات دول وحضارات لا تقرره مجموعات صغيرة بل هو شأن الأمة كلها بكل أطيافها حتى من غير الإسلاميين، كما أنه ليس شأن جماعات صغيرة بل هو شأن الدولة المصرية ذاتها.
ثانى هذه التحديات ملقى على عاتق الرئيس المصرى القادم من جماعة ثقيلة وضخمة وعميقة وهى جماعة الإخوان المسلمين، فالرئيس لديه فرصة أن يؤسس لأسلوبه وطريقته فى الحكم مستندا إلى شرعية ملايين المصريين الذين صوتوا له، ويعلن أنه رئيس لكل المصريين ويبتعد بشكل واضح عن جماعته وهو مطلب صعب فهناك روابط عميقة تربطه بجماعته، إذن الطريقة الأخرى هى أن يأخذ بيد الجماعة، وقد أصبحت السلطة بيده إلى حالة أكثر مدنية وعصرية بحيث تؤسس لما يطلق عليه «الإسلام المدنى»، وهذا النوع من التطبيق الإسلامى هو من فعل الرئيس الإسلامى فى الدولة الجديدة التى يرأسها بحيث يكون الكل أمامه سواء، وأن عمله كرجل دولة هو عمل من يجعل الدولة ومصلحتها القومية هى الأساس فى حركته، ومن ثم فإن عليه أن يوسع توسيعا كبيرا لاختياراته وفعله، بحيث تكون بسعة كل المصريين مسلمين وغير مسلمين بجميع اتجاهاتهم السياسية، إذن على الرئيس أن يباعد بين حزب الحرية والعدالة وبين الجماعة، وأن يتصرف بكل ما لديه من سلطة باعتباره رئيسا للدولة المصرية لا يشاركه أحد فى قراره أو يراقبه أو يضغط عليه من خارج تلك الدولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة