الأغلبية من المصريين ضد التعصب، ومع المساواة، لكن دائما المتعصبون عددهم أقل وصوتهم أعلى، وهو أمر موجود فى كل الدنيا، والتعصب ليس دينيا فقط، بل هو مرض يصيب كل من يرفض النقاش ويتمحور بالرفض أو القبول النهائى لأشخاص، بينما البشر لا يوجد فيهم من هو بلا عيوب أو ميزات، والتاريخ له حساباته، ولا يتعامل مع ملائكة وشياطين لكن بشر.
والمشكلة ليست فى هؤلاء الذين يجرون القاطرة والجدل للهامش، لكنها فى قطاع ممن يطلق عليهم النخبة، متفرغون منذ شهور للانتقام من بعضهم وتصفية حسابات صغيرة مع منافسين وهميين، لا يعلنون أبدا ماذا يريدون، لكنهم يملأون الدنيا بما يشبه الجدل لمحاربة غيرهم، معارضة تعارض المعارضة، ومعارضون يتفرغون لتصفية حسابات الماضى، والنتيجة أننا أمام حياة سياسية مرتبكة ومتخبطة، بلا هدف واضح ولا برامج أو مبادرات يمكنها إخراج البلاد إلى طريق يمكن السير فيه للأمام، من دون تعرجات أو تراجعات.
هناك أمل حقيقى فى أن تكون التحركات والتحالفات والاندماجات الجديدة للتيار الشعبى وحزب الدستور، بداية للسير فى طريق واضح بعد شهور من التخبط، حيث يمكن لهذه الأحزاب أن تجذب طاقات هائلة للشباب والمواطنين نحو مشاركة سياسية وعامة، وأن تكون شخصيات مثل البرادعى وحمدين وأبوالفتوح وعمرو موسى علامات أكثر منهم زعامات، علامات لتحرك يقوده الشباب المتشوق للمشاركة والقادر على المبادرة والفعل أكثر من الأجيال الأسبق. وأن يغادر الزعماء حالة الشد والجذب والتدمير الذاتى التى وسمت المرحلة السابقة. ويتجهوا إلى ما يجمع ويضيف أكثر مما يخصم وينقص، ولن يستطيع قائد أن يتصالح مع خصوم أو منافسين قبل أن يتصالح مع ذاته أولا.
لكن ماتزال هناك بعض العوالق فى أجواء السياسة والإعلام، حيث يتفرغ بعض أعضاء حملات هذا المرشح أو ذاك لتصفية حسابات مع منافس دون أن يدركوا أن المباراة انتهت وعليهم الاستعداد لمنافسة جديدة، ولا ينتبهون إلى أن السياسة منافسة وليست حربا، صراع وليس عداء، ينتقدون ما يريده الآخرون من دون أن يحددوا مايريدون، وهؤلاء فى الغالب ينتمون إلى التعصب بأشكاله وألوانه، ينحازون إلى أشخاص أكثر مما ينتمون لأفكار، ولا يختلفون كثيراً عن ألتراس النوادى الرياضية الذين يناصرون ناديهم ظالماً او مظلوماً، ولا نعرف إن كانت عدوى التعصب الكروى هى التى أصابت السياسة أم أن السياسة هى التى أصابت الكرة والرياضة ونقلت لها فيروس التفكك.
لقد اكتسبت الزعامات المهمة مكانتها فى التاريخ الحقيقى، مما قدمته من مبادرات، وقدرة على التصالح مع الذات ومع الآخرين، والمنافسين، أكثر مما حاولت أن تسعى للفرقة والاستبعاد، لم يستسلموا للانتقام وشهوته، أو للماضى ومعاركه، بل اتجهوا للتصالح والتسامح ومحاولة رتق جروح الماضى، وربما علينا أن نعترف بأن سنوات طويلة من العزلة والجمود، مثلما تصيب الحاكم بالتسلط، فهى أحيانا تجعل المظلوم وضحية العنصرية مرضى بالتسلط والتعصب، وهى أعراض يواجهها التسامح والسعى للتقريب ومقاومة التدمير الذاتى.