هذه قراءة للمائة اليوم الأولى لحكم مرسى، والتى تكتمل بعد أيام، وهى مجرد اجتهاد ومحاولة لتحليل خطاب الرئيس فى هذه الفترة القصيرة لكنها الأهم فى سنوات حكم أى رئيس فى العالم.. والخطاب كما أقصده هو مجمل القول والفعل، هو الممارسة الاجتماعية والسياسية للرئيس، وأهم مكونات ذلك الخطاب هو العزلة التى قد تصنع المستبد، فالرئيس معزول عن العالم الخارجى رغم كثرة سفرياته، ومعزول عن المشكلات اليومية لأغلبية المصريين التى صار بعيدا عنها، لا يراهم أو يقابلهم فى الأسواق وأثناء الوقفات الاحتجاجية.
تهتم مدارس تحليل الخطاب بالمسكوت عنه، وبالأبعاد النفسية فى السلوك السياسى، وهنا الرئيس المنتمى لجماعة كانت مطاردة ومرفوضة دوليا، سعى للتواصل مع العالم الخارجى بهدف دعم شرعيته وتقديم نفسه للعالم كأول رئيس مدنى إخوانى منتخب فى مصر والمنطقة العربية، لكن الهدف المعلن كان تفعيل السياسة الخارجية لمصر بعد الثورة، والمفارقة أن الرئيس لم يحقق لا الهدف المعلن ولا المضمر، فرغم غيابه الطويل عن مصر وسفره بين قارات العالم، ورغم الكلمات والوعود القوية فى كلمات الرئيس، فإنه لم يحقق جديدا فى علاقة مصر بالعالم أو فى علاقته مع زعماء العالم، لأن الرئيس ظل محافظا على جوهر السياسة الخارجية لمصر والتى تدور فى الفلك الأمريكى، كما ظل متمسكا بمفهوم المصلحة الوطنية كما صاغه المخلوع، وظهر ذلك بوضوح فى زيارته لطهران، حيث ظلت مصر بعيدة عن إيران، ومن هناك أرسل إشارات مطمئنة لواشنطن ودول الخليج بأن مصر السنية ستظل على خط المواجهة الشيعية. ومع ذلك فإن دول الخليج وأوروبا لم تقدم الدعم الاقتصادى المطلوب، وظلت واشنطن تقدم دعما محدودا وفى الوقت نفسه تمارس ضغوطا على مصر لضمان استمرار سياسة مبارك الخارجية، وعلى الصعيد الإفريقى لم يحدث اختراق ذو أهمية يعوض ابتعاد مصر-مبارك وتعاليها عن الدائرة الإفريقية.
أما عزلة الداخل فلها وجوه كثيرة، فالرئيس الذى اتسمت تحركاته فى بداية ولايته بالبساطة والانفتاح على الناس صار يتحرك وسط حشود أمنية هائلة لا مبرر لها، كما اشتغلت ماكينة صناعة الرئيس الفرعون بنشاط فغيرت من ملابسه وتسريحة شعره، وتعامله مع الإعلام، ووضعت قيودا بيروقراطية وإخوانية على مقابلات الرئيس بممثلين للمجتمع وبالقوى السياسية، حتى إن الرئيس لم يلتق بمعارضين حقيقيين له، أو نقابات عمالية، واتسعت الفجوة بينه وبين القوى المدنية التى كان قد وعد بعضها –لقاء فيرمونت- بتعيين نائب قبطى ونائب شاب وإعادة تشكيل تأسيسية الدستور.
الابتعاد عن المعارضة قد يبدو أمرا مبررا ومقبولا وفق تقاليد الرئاسة المصرية أيام المخلوع لأنه يؤدى إلى عزلها وتهميشها، لكن هذا التقليد يؤدى أيضا لعزلة الرئيس عن الاستماع إلى الآخر المختلف عنه والمعارض لسياساته، ما يعنى أن الرئيس لن يستمع إلى سوى نفسه ومستشاريه وجماعته، وهى كارثة لأنه سيعيد إنتاج أفكاره، لاسيما أن مستشارى الرئيس ومساعديه ليست لهم صلاحيات حتى الآن، إضافة إلى أن كثيرا من فئات المجتمع لم تمثل ضمن الفريق الاستشارى، وفى مقدمتهم شباب الثورة.
عزلة الرئيس عملية ممنهجة تصنعها بيروقراطية الدولة وخدام السلطة والسلطان فى كل عصر لكن الرئيس يستطيع أن يقاوم ويرفض عزله، لكن يبدو أن سحر الكرسى وإغواء السلطة أضعفا من مقاومة الرئيس، فلم يعترض على حملات النفاق الرخيص فى الإعلام الحكومى عن إنجازاته، وبدا الرجل مقتنعا بذلك فى حوار المانجو!! كما لم يرفض تأويل حزب الحرية والعدالة وبعض المنافقين لفكرة أن المائة يوم لم تنته، وأن ملفات المرور والخبز والنظافة والأمن والوقود قد تحسنت.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة