نعانى حالة سياسية انتقالية، فى وقت يفترض أن ننتقل من المرحلة الانتقالية إلى وضع دائم، يستقر فيها شكل السلطة، وتتبلور المعارضة بشكل منافس وليس مجرد رد فعل. لكننا مازلنا نعيش حالة من العناد والاستعراض تركز على ما هو فرعى وتتجاهل ما هو أساسى يهم الشعب.
السياسيون والنجوم والزعماء ينشغلون بالبحث عن كل مثير وجذاب، يشد الكاميرات والجدل، وينصرفون عما هو ضرورى، والنتيجة جدل عقيم، وحالة من التسلية لمشاهدى برامج المساء والسهرة، كلام مدهون بضجيج ومعارك ومشاجرات، يطلع عليه النهار يسيح وينتهى ويصبح بلا قيمة، والسبب أن السلطة لا تصدق أنها فى الحكم، والمعارضة تعارض بعضها أكثر مما تقدم رؤى بديلة، وتندرج فى حوارات ومبادرات تخرجها إلى أداء للمستقبل.
يبدو حزب الحرية والعدالة وقياداته، كأنهم لم يصدقوا واقعا جديدا أنهم فى السلطة، ويتعاملون على أنهم مازالوا فى المعارضة، وبدلا من أن ينشغلوا بتقديم مبادرات وحوارات مع التيارات السياسية، فإذا بكل منهم منشغل بتقديم بلاغات وتوجيه اتهامات واتهام أطراف أخرى. تحول عدد من القيادات إلى محققين وبوليس، مع أن دورهم هو العمل السياسى والتفكير فى مبادرات وحلول لتطوير الأداء الإدارى والسياسى، رأينا الدكتور محمد البلتاجى وهو أستاذ وسياسى فى الأساس منشغل بدور المحقق الخاص مع نخنوخ أو الرقابة الإدارية،. وهى قضايا من صميم عمل البوليس والنيابة والقضاء. فريق آخر مشغول بالحديث عن الدولة العميقة يتهمون محافظين أو مسؤولين محليين، متجاهلين أنهم هم من يختار هؤلاء المسؤولين، ومهمتهم إصلاح المنظومة التى تقود للفشل والفساد وليس فقط وضع وجوه مكان أخرى.
وفى المقابل فإن المعارضة هى الأخرى ليست بأفضل من الحزب الحاكم، تعانى حصارا ذاتيا، وبعد أن كانت تشكو من حصار نظام مبارك لها فإذا بها تعجز عن الخروج من عقدة النظام السابق، وتفشل فى تنظيم أداء سياسى واضح، وتركز عملها كرد فعل للحرية والعدالة والإخوان، خطوة بخطوة وتصريح بتصريح، أو تعارض بعضها البعض، وهى إما أحزاب قديمة عاجزة، أو أحزاب جديدة ضعيفة، لا تمثل تنوعات الشارع السياسى، وهناك معارضة أقرب للسلطة تعارض المعارضة أكثر مما تعارض السلطة، أو تنشغل بمعارضة المشير أو شفيق أو مبارك، ضمن بلاغات هدفها الشو أكثر منها للبحث عن الحقيقة. بعض التيارات السياسية انتبهت لمشكلاتها، وبدأت بعض الأحزاب الجديدة مثل الدستور والتيار الشعبى فى محاولة لاستيعاب الاتجاهات السياسية، وبعضها يسعى إلى تحالفات مثل الجبهة الوطنية أو الأمة المصرية، يمكن أن تختصر الكم إلى كيف أكثر فاعلية.
وكلها خطوات تتحدد نتائجها قريبا، لكن على الزعماء والقيادات، الانتباه لوجود أزمة سياسية، بسبب البعد عن القضايا الأساسية للجمهور الذى ينتابه القلق والغضب، الحل أن تتفرغ السلطة للحكم، والمعارضة للمعارضة، للخروج من مرحلة انتقالية تطول ويخسر فيها الشعب.