يحزن الواحد كثيرا وهو يرصد ظاهرة كهذه، ظاهرة تحول بعض التيارات التى تتسم بالاعتدال إلى التشبه بالمتشددين، فها هو عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، يدعى أن التيارات السياسية المدنية أصحبت «تعادى» كل ما هو «إسلامى»، بما فى ذلك «مدرسة الإسلام الحضارى»، وهى فى الحقيقة تصريحات تصيب الواحد بخيبة الأمل، وتعجّل بالذهاب إلى مرحلة اليأس، فقد كنت أعقد آمالا عريضة على تيار الوسط الإسلامى فى أن يهذب شذوذ بقية التيارات، وأن يقدم صيغة حضارية للعمل السياسى بمرجعية إسلامية لا تتاجر بالدين، ولا تستعدى الناس على ما عاداهم، وكان حزب الوسط من الأمثلة الرائعة التى تحذو هذا الحذو، ولذلك ناصرت الحزب قبل الثورة وبعدها، حتى إننى كتبت فى العام 2009 فى «اليوم السابع» حينما رفضت لجنة شؤون الأحزاب التى كان يرأسها صفوت الشريف تأسيس حزب الوسط: (حينما تدعى الدولة أنها «وسط» وأن موقعها «وسط» وأن دينها «وسط» وترفض تأسيس حزب الوسط، فبذلك نعرف أنها «وسطها» ليس من «التوسط» وإنما من هز «الوسط»)، لكن للأسف تتبخر هذه الآمال الآن على يد الأستاذ عصام سلطان.
لا فرق عندى «الآن» بين تصريحات عصام سلطان وتصريحات عبدالمنعم الشحات، فكلاهما يتخذ من الإسلام حصنا ليحارب خصومه السياسيين من خلاله، غير أن الأول يدعى أنه حامى حمى الإسلام «الحضارى»، والثانى يدعى أنه حامى حمى الإسلام «الحقيقى»، وللأسف اتسعت دائرة المتاجرين بالإسلام لتضم رجلا أحبه وأحترمه هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذى طالما دافعت عنه، وناصرت فكرته، فقد أدلى بتصريح شديد القرب من تصريح «سلطان»، وقال فى حواره الأخير مع الزميل خالد صلاح ومحمد حجاج: «إن حمدين صباحى يشن حربا إعلامية على الإسلام الحضارى الذى أمثله أنا»، وهو التصريح الذى أصابنى باكتئاب حقيقى، فها هم من كنا نعول عليهم فى جذب التيارات الإسلامية المتشددة نحو الاعتدال، وعدم الاتجار بالدين، يندفعون نحو التشدق بالإسلام، وها هم من بنوا خصومتهم السياسية مع الإخوان وانشقوا عنهم لأنهم يحتكرون الحديث باسم الإسلام، ويتسترون وراءه، يتبعون منهج خصومهم من الإسلاميين، ويصورون خصومهم من المدنيين باعتبارهم كارهين للإسلام، وليسوا مختلفين مع تيار الإسلام السياسى. ويبدو أن هذه التصريحات ما هى إلا بداية لخطاب سياسى جديد يتبناه ما يسمى بمشروع تيار الوسط الذى يضم حزبى مصر القوية، والوسط، وتلك هى المصيبة.
أتمنى من الإخوة الكرام فى «تيار الوسط» أن يراجعوا مواقفهم الأخيرة، وأن ينظروا إلى أنفسهم فى المرآة، ويرددوا كلامهم مرة أخرى، ليكتشفوا أنه ليس هناك فارق يذكر بين خطابهم «الجديد»، وخطاب خصومهم السياسيين من الإسلاميين، كما أتمنى أن يراجعوا ما كانوا يقولونه لأنصارهم قديما من أن الاتجار بالإسلام «عيب»، وأن ما يقدمونه هو وجهة نظر سياسية ذات مرجعية إسلامية تنشد قيما إنسانية سامية مثل الحب والخير والعدل والنزاهة، وليست هى الإسلام، كما أتمنى قبل أن يتصارعوا على مصطلح الإسلام الحضارى أن يعلموا أن منشأ هذا المصطلح هو العالم الفقيه مصطفى السباعى، مؤسس جماعة الإخوان فى سوريا، وأن يتأسوا بهذا العالم الفاضل الذى كان يتقرب إلى الجميع، ويحتوى الجميع، مقربا بين الإسلام والاشتراكية، ومقرا بأن التشريع الإسلامى فى مجمله «علمانى التوجه»، قائلا فى كتابه الفياض «هكذا علمتنى الحياة» إن الإصلاح الحقيقى يبدأ بالضرب على المتاجرين بالدين وروحانيته وأخلاقه، فهم حجر عثرة فى سبيل كل إصلاح نافع، وهم الأعداء الحقيقيون للمصلحين المخلصين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة