كنت أنوى أن أتناول فى هذا المقال لقاء الرئيس محمد مرسى الإيجابى بالمثقفين، ممتدحاً هذا السلوك المتحضر الذى اتبعه «مرسى» فأولى خطوات الإصلاح الحقيقى هى أن يستمع الحاكم للأصوات المعارضة بصدر رحب، وأن يطلع على خبرات وثقافات أهل العلم والفكر والفن والثقافة والإبداع، وكنت أنوى أيضاً أن أنتقد انكباب المثقفين على التحدث عن مشكلات حرية الإبداع وعدم تطرقهم إلى المشكلات العامة التى تهم المواطن العادى والوطن بأكمله مثل مصير الدعم على الخبز والوقود وشروط البنك الدولى لمنح مصر القروض الجديدة، والضمانات التى اتخذتها قطر قبيل ضخ مليارى دولار فى خزينة البنك المركزى، وهذا ما كنت أنتظره من المثقفين الذين يدركون واجبهم ويمثلون المجتمع بأسره لا فئته فحسب، فلم يتحدث أحد عن شىء خارج «الأدب والفن» إلا المخرج خالد يوسف الذى طالب بالإفراج عن المعتقلين مدركاً بفطرته المثقفة دور المثقف الحقيقى، لكن للأسف طعنت صورة الكتب الممزقة الملقاة على الأرض فى شارع النبى دانيال بالإسكندرية ما تبقى من تفاؤل بمقابلة «مرسى» للمثقفين، لتدلنا هذه الصورة الموجعة لما وصل إليه حال أهل الحكم من جهل عميق.
هو مشهد من أبشع المشاهد التى من الممكن أن تراها عين، والكتب الملقاة على الرصيف تنزف بحسرة ووجع تترك فى النفس ألما يعادل ما تفجره رؤية جثث شهدائها فى الثورة، فكل كتاب ثورة، وكل كتاب روح، وكل كتاب وعد بالنور فى زمن يشح فيه الضوء، لكن أولاد الظلام لا يعرفون إلا الكتاب عدوا، وكل كتاب نزف فى شارع النبى دانيال هو مصباح مهشم، فلا عجب من اغتيال أكشاك الكتب فى شارع النبى دانيال فعادة الخفافيش أن تنهش حقول النور.
لا أعرف أى شيطان وسوس فى عقل من ارتكب تلك الجريمة، فجعله متجرداً من معانى الآدمية متقمصاً لدور البربر فى الحروب الهمجية ليقتل كل هذه الكتب اليافعة دون ذنب يذكر؟ فمعروف أن أكشاك الكتب فى هذا الشارع مرخصة ومعترف بها من قبل المحافظة، ومعروف أيضا أن باعة الكتب ما كانوا ليعترضوا طريقا بكتبهم التى يخشون عليها من الشمس والمطر، فكيف لمن هتك كل هذه الكتب أن يرضى عن نفسه وهو يدهسها هكذا؟ فإن كنتم يا أيها المسؤولون أهل نظام، فالكتب هى أساس النظام، وإن كنتم أهل تحضر، فالكتب أس التحضر، وإن كنت أهل جمال، فالكتب عنوان الجمال، وإن كنت أهل دين وعلم فالكتب هى الدين والعلم، فمن أنتم؟
لا يعادل نكسة مذبحة الكتب فى شارع النبى دانيال سوى الهجمة البربرية الأخرى التى ارتكبتها وزارة الأوقاف، فبحسب البيان الذى أصدرته الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر والجبهة الحرة للتغيير السلمى وتحالف القوى الثورية فقد انحرفت وزارة الأوقاف عن دورها وأقصت العديد من المشايخ والأئمة الوسطيين عن مواقعهم، واستبدلتهم بآخرين «وهابيين» فى تعد سافر على خصوصية مصر الحضارية واعتداء قبيح على هوية مصر الوسطية السمحة، ولذلك قررت تلك الجبهات أن تنظم وقفة احتجاجية يوم الأحد المقبل أمام وزارة الأوقاف الساعة العاشرة صباحاً للتنديد بقرارات وزارة الأوقاف الأخيرة، ووقف محاولة «وهبنه مصر» التى تجرى الآن على قدم وساق، فبأى ذنب يا سيادة الرئيس محمد مرسى قتلت كتب النبى دانيال، وبأى ذنب يقتل الأزهر ووسطيته؟ وكيف نفهم هذين الاعتداءين السافرين على الثقافة الدينية والمدنية المصرية فى اليوم التالى للقائك لمثقفى مصر؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة