لا تنمية ولا استثمار إلا بالاستقرار، وسيظل الدولار مجنونا ومسعوراً ويهين كرامة الجنيه المصرى فى عقر داره، طالما ظلت البلاد مضطربة كالإناء الذى يغلى، دون أى بادرة طيبة للهدوء ولم الشمل، وكل التصريحات التصالحية لا تخرج عن إطار المناورة والتسويف والخداع وتضييع الوقت، وكأننا فى بلدين وليس بلدا واحدا، وشعبان يواجهان بعضهما كالأعداء، ويتمنى كل فريق للآخر الفشل والهزيمة. الحل لا يأتى على طريقة «منقلش إيه إدتنا مصر، نقول هندى إيه لمصر، ياحبايب مصر»، فكل الذين يلعبون على المسرح السياسى، يؤكدون أنهم يفعلون ذلك حباً فى مصر والدفاع عن مصلحة مصر، بينما مصر تئن من المشاكل المزمنة والأزمات الخانقة والتحديات الصعبة. الحكومة لا تدرك أن انفراج الأزمة الاقتصادية يبدأ من تهدئة الأجواء السياسية، وأن من واجب الرئاسة، وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، أن يعملوا جميعا على الاستقرار السياسى إذا أرادوا النجاح الاقتصادى، وإذا لم يحدث ذلك فسوف يكون هشام قنديل كبش فداء مثل عصام شرف، الذى تعثر فوق أشواك الصراعات السياسية والأجندات الخاصة، ولم ينفعه ميدان التحرير الذى أقسم فيه أن يعود إليه إذا لم يحقق أهداف الثورة، فلم يحقق إنجازات ولم يعود للميدان، لأن التعامل مع الملفات الساخنة بطريقة «ياحبايب مصر». والرئاسة تتحدث عن النهضة والنمو والسياحة والاستثمار، دون أن تُدرج فى أجندتها مبادرات لإعادة الثقة مع القضاة والإعلاميين والصحفيين والمحامين والنخب السياسية ورموز المعارضة، ولا يكفى أبداً الجلسات المكوكية التى يعقدها نائب الرئيس المستقيل مع شخصيات أقرب إلى الموالاة من المعارضة، مما يفقد مثل هذه اللقاءات تأثيرها وجدواها فى رأب الصدع، لأن مائدة الحوار ليس عليها حمدين صباحى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، والبرادعى، وأبوالغار، وجورج إسحاق، وغيرهم من شركاء الأمس، الذين توسموا فى الإخوان بارقة أمل للمشاركة والاقتراب وليس المغالبة والإبعاد، ولكنهم وجدوا أنفسهم بعيدين عن دوائر صنع القرار، لا يُشاروا ولا يُستشاروا وإنما يعاملون كضيوف فى فرح تصوروا أنهم أصحابه وليسوا مجرد معازيم. والمعارضة - أيضا - لا يمكن تبرئتها من حالة عدم الاستقرار، فلم توحد كلمتها ولم تبلور رؤاها واكتفت بتعلية سقف المطالب، أكثر من إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم والحوار، ولجأت إلى نفس الأسلوب القديم فى المقاطعة الذى أثبتت تجارب الماضى أنه لا جدوى من ورائه، إلا العزلة والانطواء والابتعاد عن الساحة بما فيها من زخم وصراع، ودون أن تستوعب أن مصر هى مصر ومن يجلس على مقعد السلطة، يصاب بكل أمراض الزهو والأنانية والغرور والاستئثار بكل أوراق اللعب، ليحرز لوحده كل الأهداف، وكأنه ليس أمامه لاعبون آخرون من حقهم - أيضا - أن يفوزوا ببعض الحقائب فى الوزارة والمقاعد فى البرلمان، وأن تحتويهم الأغلبية صاحبة النفوذ والسلطة والمغريات. هذه هى المعادلة الصعبة التى تحتاج الوصول إلى نقطة توازن، لتحديد قواعد الممارسة الديمقراطية التى مازالت فى مرحلة التجريب والهدم والبناء، ولترسيخ الاحتكام لصندوق انتخابات برىء وشفاف ولا يخضع للضغوط، خصوصا أن البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية تحتاج جهداً حقيقيا فى الشارع وبين الناس، وليس من فوق المنصات الإعلامية والبرامج التليفزيونية، فاجعلوها إشارة بدء للمنافسة الشريفة حتى تستعيد البلاد عافيتها، وتبدأ الخطوة الأولى فى رحلة الألف ميل نحو الاستقرار.