لا أحد يستطيع أن ينكر أن الشعب المصرى على اختلاف أطيافه يحب جيشه ويفتخر به ويتمنى من الله أن يرتفع قدر هذا الجيش إلى أعلى عليين، لكن لا أحد أيضا يستطيع أن ينكر أن صورة هذا الجيش العظيم قد اهتزت بشكل كبير مع تولى العسكر للحكم بعد تنحى مبارك ووضوح تخبطهم واضطرابهم سياسيا، وهو ما أدى إلى تورطهم فى جرائم يندى لها الجبين، أدت لأول مرة فى تاريخ مصر إلى إسالة دماء مصريين على يد جيشهم، ليجد ثوار مصر أنفسهم فى اصطدام حقيقى مع جيشهم بعد أن هتفوا له وتغنوا بأمجاده.
من هنا باتت مهمة الفريق عبدالفتاح السيسى الذى تولى قيادة وزارة الدفاع صعبة ومربكة وذلك لعدة أسباب، منها أنه تولى قيادة الجيش وروحه المعنوية فى أدنى مستوياتها وأصبح واجبا عليه أن يساهم فى تضميد جراح هذا الجيش وتصحيح صورته، كما أنه قد ورث تركة ثقيلة من العهد البائد الذى أصاب فساده كل مؤسسات الدولة، ومنها أنها بات مطالبا بتفسير علاقته بجماعة الإخوان خاصة بعدما أشيع أنه منتم إليها وهو ما يهدد استقلالية هذه المؤسسة الأهم فى مؤسسات الدولة، والأهم من هذا كله هو أنه أصبح مطالبا بإعادة ثقة الشعب فى جيشه وإعادة تأهيل هذا الجيش بشكل عصرى يناسب المتغيرات الواقعة فى المنطقة.
بدا السيسى فى أول الأمر هادئا عزوفا عن الظهور الإعلامى، وهو ما كان مطلوبا وقتها، فمن ناحية كنا نتخوف من أن يحاول الجيش القفز على السلطة من أبوابها الخلفية، كما أننا كنا نتخوف من أن يلتصق برئاسة الجمهورية التى لا تعرف إلا الولاء للجماعة، ثم بدأ فى تصحيح صورة الجيش بتعيين متحدث رسمى باسمه، ثم بدأ فى الظهور فى صورة القائد المتابع لميادين التدريب والمناورات، ثم تدخل بحرفية شديدة ليطمئن الجموع على مستقبل مصر ومواقعها الاستراتيجية، ثم اتخذ قرارا بتغيير الزى الرسمى للجيش وظهر به فى أكثر من محفل، وهنا أريد أن أسلط الضوء على صورتين لافتتين، الأولى وهو يجرى بصحبة جنوده فى أحد التدريبات، وهى الصورة التى تشعر الواحد بأن دماء جديدة شابة أصبحت على رأس الجيش، والثانية وهو يرتدى عباءة أهداها له أحد مشايخ سيناء، وهو ما يشعر الواحد بأن قيادة الجيش قد تخلت عن خشونتها العسكرية مع المدنيين وباتت أكثر إنسانية فى تعاملها معنا دون أن تتخلى عن هيبتها أو أولوياتها الوطنية.
غير أن هذه الصورة لم تحتفظ طويلا ببهائها ونصاعتها، كان ذلك بسبب تحويل أحد المدنيين إلى محاكمة عسكرية بسبب التقاطه صورا لإحدى المنشآت العسكرية، ونحن نعرف أن المحاكمات العسكرية فى الغالب لا تكون مستقلة، وهو ما يشعر الجميع بالخوف من المستقبل الذى نرجو أن يكون أكثر إنسانية وتحضرا، كما يقلقنا على مسيرة التحول الديمقراطى التى بذلنا فى طريقها الدماء الزكية، ولكى أكون منصفا فإنى أؤكد هنا على أهمية أن نحافظ على أسرارنا العسكرية وأن تتم محاكمة أى فرد يعتدى على السيادة العسكرية، فأى مصرى لا يرضيه أبدا أن يتم العبث بجيشه ومؤسساته، لكنى فقط أؤكد على ضرورة محاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعى، فلا أحد يكره الجيش، ولا أعتقد أنه يوجد مصرى وطنى واحدا يهمه أن ينتقد جيشه أو يسىء إليه، لكن غاية ما أتمناه هو أن تصبح صورة السيسى التى يجتهد فى أن يوصلها إلينا محتفظة ببهائها، وأن يقابل التغيير فى «الصورة» تغيير فى «المتن».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة