وسط زحام السياسة وصراعات السلطة والمعارضة، والطلوع والنزول، تبقى الكائنات «النفاقوقراطية»، ذات قدرة غير عادية على عبور الأنظمة وأشكال الحكم، لا فرق عندهم بين مبارك ومرسى، ولا بين وطنى وإخوان. أهدافهم واضحة، وغاياتهم محددة، قادرون على التلون والتخفى والتحول وتبنى خطاب الحاكم، بشكل يبدو أحيانا أكثر مزايدة.. ومنهم من ارتدى قناع الثورة عندما كانت تعود بالأرباح والأضواء، بعد أن كانوا يأكلون ويشربون مع النظام السابق، ثم انصرفوا للمجلس العسكرى بعض الوقت، وأخيرا تراهم فى ثياب السلطة، أكثر مزايدة ودفاعا، عن النظام أيا كان شكله، أو نوعه.
الكائنات النفاقوقراطية لعبت مع المجلس العسكرى، وانتقلت للعب مع السلطة بنفس اللياقة، وبمناسبة ما يدور الآن من جدل قديم حديث، حول الفلول والنظام السابق والعزل السياسى. والانتخابات القادمة، نكتشف أن الكائن «النفاقوقراطى»، العابر للأنظمة، أكثر الكائنات قدرة على الحياة فى ظل الأوضاع الملتبسة والقواعد المتداخلة، يمكنه تبنى مصطلحات واتجاهات النظام قبل أن ينطق بها. اشتراكى أكثر من الاشتراكيين، ورأسمالى فشر زعماء اقتصاد السوق، وإسلامى أكثر من الرئيس والجماعة، وغالبا ينجون من عمليات الاستبعاد والتصفية لقدرتهم على الهروب والعودة، أو حتى الاعتزال التكتيكى.
الكائن النفاقوقراطى يصعب الإمساك بمبادئه، فالسلطة واضحة، والمعارضة واضحة ولا عتاب على الإخوانى أو السلفى الذى يؤيد السلطة وقراراتها، لكن نظرة واحدة على منظرى المرحلة الجديدة، تكشف لنا عن قطاع من كائنات «نفاقوقراطية» تسربت إلى السلطة، وأصبحت تتبنى الدفاع عما لا تعرف، نواب سابقون ومحامون وترزية قانون وإعلاميون لم يكونوا حزبا وطنيا، لكنهم كانوا يضربون بعصاه ويرقصون رقصاته، وتراهم الآن يمرمغون أنفسهم بحثا عن أى موقع بجوار السلطة، أو فى مائدتها، يمكنهم تعديل مساراتهم حسب السلطة بسرعة البرق، لا يفرق معهم مرسى من مبارك، ولا إخوان من وطنى، هم مع السلطة أينما وجدت.
وإذا كان من الطبيعى أن يؤيد أعضاء وقيادات جماعة الإخوان الجماعة وحزبها ورئيسها، فغير الطبيعى هو محترفو نقل العطاءات، الجاهزون لكل نظام، رأيناهم مستشارين ومستوزرين ومتنططين ومازالوا يهشون بعصا السلطة، بعد أن كانوا من أعوان ومنافقى النظام السابق.
يثبتون أن الطغيان والتسلط تشارك فى صناعته فرق النفاق وطلاب السلطة.
تراهم فى حلقات المعارضة أحيانا، وجلسات تحضير الحوار الوطنى بعض الوقت، ولما يتم استبعادهم من الصورة، يهاجمون الجماعة والرئيس وسوء اختياره، قادرون على الاستمرار وعبور كل الأنظمة.
رأيناهم فى التأسيسية، وفى الحكومة وفى كل مكان، وسوف تسمع منهم دائما أنهم زاهدون فى السلطة، عازفون عن المناصب «ومستعدون لخدمة الوطن فى أى موقع وأى مكان». بعضهم استوزر مع المجلس العسكرى، وتأسس مع الإخوان، واعتزل حماية لأرباحه واستعدادا للعودة بعد تغيير الملابس.
لا علاقة لهم بحكومة سياسية أو تكنوقراط، فهم فريق «نفاقوقراط»، قابل للطى والفرد، وتنفيذ التعليمات، جاهز دائما وقادر على الاستمرار والتوغل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة