قد يكون المجال الصحفى خارج اهتماماتك، لكنى أدعوك إلى متابعة هذا المشهد العبثى ليس باعتباره شأنا «صحفيا» لكن باعتباره شأنا «وطنيا» فلأول مرة من سنوات طويلة يفلت منصب رئيس اتحاد الصحفيين العرب من بين أيدى مصر، وهى الدولة التى أنشأته ورعته وسهرت عليه طويلا، فاحتفظت برئاسته لمدة تقترب من النصف قرن، فإذا بهذا المنصب يضيع من بين أيدى مصر على يد «مأخون» نقابة الصحفيين المصريين «ممدوح الولى» فإذا بالوضع ينقلب تماما، فيتبدد حلم الثورة المصرية التى كانت تريد أن تحافظ على مكاسب ثورة يوليو ومعالجة أخطائها فى آن، إلى كابوس وطنى يقترب بشدة، مهددا بضياع مكاسب ثورة يوليو، وإعادة إنتاج أخطائها بصورة أكثر إظلاما، فعلى الأقل لا أحد يشكك فى وطنية جمال عبد الناصر ولا نواياه الطيبة، أما فى حالة الإخوان فحدث ولا حرج.
بداية وقبل أن آخذك إلى أجواء هذا الفقد «التاريخى» يجب علىّ أن أصارحك بوجهة نظرى فى مسألة استحقاق مصر للمناصب العربية، فأنا لست ممن يرون أن تلك المناصب «ملاكى» لمصر أو للمصريين، كما أننى لست مع تلك اللوائح التى تشترط أن يتولى رئاسة مثل هذه الاتحادات أو التجمعات مصريين، لكنى فى ذات الوقت أحب أن يتولاها مصرى بطريقة ديمقراطية، ليكون اعتلاء مصر لقمة هذه التجمعات عنوانا للمحبة والتميز والعرفان وليس عنوانا للاستحواذ، ومن هنا أرى أنه من واجب مصر أن تبذل كل ما فى وسعها من أجل أن تقترب أكثر من أشقائها العرب وهمومهم ومشكلاتهم وأن تعمل جاهدة فى مجالات تطوير هذه التجمعات لتكون رئاسة مصر طبيعية ومستحقة يتضافر فى تعضيدها دورنا التاريخى مع حاضرنا الفعال.
أعود إلى خسارة مصر لمنصب رئيس اتحاد الصحفيين العرب مرة أخرى لأرى الصورة قاتمة ومؤلمة، ودعنى أصارحك فإن مرشح مصر لم يخسر تلك الانتخابات وإنما خسرها مرشح جماعة الإخوان المسلمين، الذى أثبت بالدليل الدامغ أن أولويات المهنة تحل عنده فى مرتبة متأخرة، والمهم عنده فى المقام الأول ليست مصلحة المهنة وإنما مصلحة الجماعة، فحينما تطاول مرشد الإخوان على الجماعة الصحفية فى مصر وقال إن الصحفيين مثل سحرة فرعون لم يحرك النقيب ساكنا، ولم فى ذلك اعتداء على المهنة ولا استعداء عليها فبدلا من أن يجبر الجماعة ومرشدها على الاعتذار تمادى فى الالتصاق بها، وحينما اعتدت الجماعة على الصحفيين فى الاستفتاء على الدستور لم يحرك ساكنا أيضا، ويكفى لتأكيد مؤامرة هذا النقيب على المهنة لصالح الجماعة أنه تحدى الجماعة الصحفية مجتمعة، ولم ينسحب من الجمعية التخريبية لكتابة الدستور المشوه، وبقى فيها حتى آخر اجتماعاتها، وظهر فى صورة التلميذ التائه أمام رئيس الجمعية وهو يؤنبه ويوبخه ويقول له «أنا ماتفقتش معاك على حاجة» وفى عهده وفى وجوده تم تمرير الدستور الذى يسمح بحبس أصحاب الرأى ويغلق الصحف ويحاربها كما صرح بذلك ياسر البرهامى فى اجتماعه مع مشايخ السلفية.
لا ألوم إخواننا العرب لعدم اختيارهم مرشح الإخوان رئيسا لاتحاد الصحفيين العرب، فهو المجهول مهنيا والتابع سياسيا والمفرط فى حقوق أبناء بلده من أهل المهنة، فكيف لمن استأمن على المهنة فى مصر فخانها أن يتطلع لأن يكون ممثلا للمهنة فى العالم العربى كله، فما كان الولى يريد هذا المنصب ليمثل المهنة أو ليدافع عنها، وإنما كان يريده ليصبح خانة جديدة فى سيرته الذاتية ليتمم أخونة المهنة عربيا، فإن كان هذا النقيب منبوذا داخل نقابته مطرودا، فطبيعى أن يلفظه إخواننا العرب أيضا من اتحادهم، غير أن الموجع فى الأمر أن هذا «الطرد» لا ينحدر بالإخوان فحسب وإنما ينحدر بنا جميعا، لنبدأ موسم الانحدار «عربيا» بعد انحدارنا «محليا».