لا أعرف لماذا تجذبنى الأخبار والتقارير القديمة، وكلما أمسكت بجريدة قديمة أظل أفتش فى صفحاتها عن شىء أقرأه، الصدفة وحدها وضعت فى يدى تقريرا كتبته الزميلة المجتهدة رباب فتحى، نائب رئيس قسم الشئون الخارجية بـ"اليوم السابع" عن رحلتها إلى مدينة هيوسن الأمريكية فى شهر يوليو الماضى، لفت نظرى العنوان "العالم يجيد فن الترويج.. وقاهرة المعز لا تجد من يتحدث عنها" ولأنى مهووس بآثار مصر وحضارتها، ظللت أقرأ التقرير والحسرة تملئونى، فربيكا مارتن، نائب رئيس قسم التسويق والاتصالات فى غرفة أوستن التجارية، كانت تتكلم عن مدينتها وكأنها مدينة خارج السياق، أقدر جيدا حسرة رباب وهى تتذكر قاهرتها التى تعتبر بحق "مدينة خارج السياق" بعدما رأت حماسة "ربيكا" وهى تقول، إن كلامها لا يعد فخرا بمدينتها أو تحيزا منها إليها، لأن الحقيقة هى أن تلك المدينة "فريدة من نوعها".
مضت ربيكا تمتدح مدينتها وتعدد مزاياها، بينما قالت رباب فى آخر التقرير "القاهرة تحظى بالكثير من العوامل التى تجعل كل أبنائها يفخرون بها، إلا أننا على ما يبدو نرفع شعارا غير ذلك الذى ترفعه أوستن "ليس تفاخرا إذا كان حقيقة"، ونحمل "نحن لا نفخر بما نملكه"! وما بين فخر "ربيكا" وحسرة "رباب" وقفت أتأمل تلك الحالة العبثية التى وصلنا إليها، فزميلتى المتحسرة لم تستطع أن تتخلص من حبها لمدينتها وعاصمة بلدها وهى فى أهم دول العالم، وهى الحسرة التى يشعر بها كل مصرى يسافر إلى الخارج ليكتشف روعة الداخل وتدنينا إلى الدرجة التى تجعلنا نقول "خسارة فينا مصر" نعم يا رباب، خسارة فينا هذا البلد إن كنت غير مقتنعة بما أقول فما عليك إلا أن تقرائى ذلك التقرير الذى كتبته زميلتنا "دينا عبد العليم" عن مدش مرزا الأثرى الذى تحول بين ليلة وضحاها إلى كوم تراب بفضل تقاعسنا واستهانتنا بتاريخنا وكأننا "ولاد حرام".
أهدى هذا الكوم من التراب إلى أصحاب الأكاذيب الحقيرة ممن ولوا علينا الذين يقولون إن الإعلام لا يقوم بدوره فى حماية الدولة المصرية وأنه إعلام "تخريبى" لا يلتفت إلى مصلحة البلد، أهديه إليكم لتقولوا لى ماذا فعلتم من أجل حماية آثار مصر وحضارتها التى تدعون أنكم تفتخرون بها، فالإعلام الذى تتهمونه بالتخريب حذر فى سبتمبر الماضى من التعديات على منطقة آثار بولاق أبو العلا قبل أن تمتد يد الهدم إلى هذا الأثر الفريد الذى بقى أربعمائة عام على حاله، ثم شهدنا اليوم تحوله إلى كوم تراب، فقد كتبت الزميلة دينا عبد العليم قبل أربعة أشهر تقريرا بعنوان "آثار بولاق أبو العلا فى قبضة البلطجة" وحذرت مما يشهده هذا الأثر من تعدٍ وقح، فلم يتحرك أحد لنجده الآثار ولم تهتز شعرة فى رأس وزير الآثار أو رئيس الوزراء، ثم كتبت ذات الزميلة تقريرا آخر بعنوان "كارثة مواطن يهدم مبنى أثرى عمره 400 عام" فى ديسمبر الماضى، وذلك بعد أن هدم بلطجى جزءا من هذا المبنى الأثرى الفريد، ثم كانت النهاية أمس الأول حينما تحول المبنى إلى كوم تراب.
العار بانتظاركم جميعا يا من أسلتم الدماء من أجل أن تحكموا هذا البلد ولما حكمتموها تهدمت آثارها على أياديكم، وليكتب التاريخ فى هذا اليوم المشئوم أن جماعة الإخوان المسلمين التى حشدت رجالها من أجل الدفاع عن نوابها مرة وعن الرئيس الإخوانى مرة أخرى، وأقالت وزير الداخلية لأنه لم يحم مقراتها، تركت البلطجية يهدمون آثارنا الإسلامية ويخربونها دون أن تشعر بالخجل.