ناجح إبراهيم

دعاة الهداية.. ودعاة الهلاك

الثلاثاء، 15 يناير 2013 05:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انطلق الطفيل بن عمرو الدوسى «رضى الله عنه» ليدعو قومه بعد أن أسلم.. حاول دعوتهم مرارا ً دون جدوى.. استعصى عليه قومه.. تألم لإعراضهم فكيف يردوا دعوة سيدهم وإمامهم.. هذه أول مرة يقابلونه فيها بالصدود والنكير.. غضب منهم وحنق عليهم ويئس من دعوتهم.. انطلق إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» ليقول له: «يا رسول الله ادع على دوس فقد أبت الإسلام ورفضت دعوته».

لم ينفعل الرسول أو يزمجر أو يغضب أو يشتم أو يلعن.. تبسم بهدوء داعيا: «اللهم اهد دوسا ً وائتِ بهم».. عاد إلى قومه فوجدهم قد أسلموا.. ما أجمل وأطيب الدعاء للناس.. وما أسوأ الدعوات عليهم أو لعنهم أو شتمهم.

وهذا أبوهريرة يحب الرسول «صلى الله عليه وسلم» حبا جماً ولا يفارقه أبدا ً.. تاركا ً الدنيا كلها من أجله..

ولكن أمه تكره الرسول وتشتمه صباح مساء ً أمام ابنها.. يتمزق قلب أبى هريرة.. يعيش فى صراع نفسى هائل بين الحب الفطرى لأمه ولزوم برها.. وبين حبه الكبير لنبيه العظيم «صلى الله عليه وسلم».. يحاول فى أمه أن تؤمن دون جدوى.. يتوسل إليها أن تكف لسانها عن النبى الكريم دون فائدة..

لم يجد بدا ً من أن يحسم أمره لصالح نبيه ويدوس على فطرته ومشاعره نحو أمه.. قال للرسول «صلى الله عليه وسلم»: «يا رسول الله ادع على أم أبى هريرة فقد أبت الإسلام».
لو كان أحد من دعاة اللعن والشتم والتفحش لخصص لها خطبة كاملة لشتمها وسبها وتقريعها.. فهى تشتم خاتم النبيين ورأس الدولة فى الوقت نفسه.. أى الذى جمع رياسة الدنيا والدين.

ولكن النبى الرحيم «صلى الله عليه وسلم» يبتسم كعادته داعيا: «اللهم اهد أم أبى هريرة».. عاد إلى البيت ليجد أمه تغتسل وحدها وتنطق بالشهادتين. إنه الدعاء للناس لا الدعاء عليهم.. إنه حب هداية الخلق وليس الغضب والثأر للنفس.
وهذه ثقيف رمز العناد والصلف والغرور لا تريد أن تسلم كما أسلمت كل القبائل بعد فتح مكة.. يحاصرها الصحابة دون جدوى.. تقتل ثقيف عددا ً من الصحابة فى الحصار فهم ماهرون فى النبل.

حاول دعاة ثقيف إثناءها عن كبرها وغرورها فلم يفلحوا.. جاء عروة بن مسعود الثقفى سيدهم وكبيرهم وداعيتهم المخلص إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» حانقا ً غاضبا ً قائلا ً: «يا رسول الله ادع على ثقيف».. وكأنه يذكره «صلى الله عليه وسلم» بما فعلته ثقيف معه.. أو كأنه يقول له: ألا تذكر يا رسول الله أفعالهم الشنيعة معك.. سلطوا عليك سفهاءهم وصبيانهم يضربونك.. يشتمونك.. يرمونك بالحجارة.. يتطاولون عليك.
ما زاد ذلك رسول الله إلا تبسما ً.. نطق الرءوف الرحيم بالناس: « اللهم اهد ثقيفا ً وائت بهم» أسلمت ثقيف وتمسكت بإسلامها حينما ارتد معظم العرب بعد وفاته «صلى الله عليه وسلم».

أما المرة الوحيدة التى قنت فيها رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يدعو على قوم حينما دعا على رعل وذكوان الذين غدروا بأصحابه الدعاة المسالمين وقتلوهم.. كانت دعواته تنطلق من ألم قلبه وحزن نفسه.. ورغم ذلك عاتبه ربه على ذلك.. وأمره ألا يدعو على أحد فى خطاب صريح «لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ».. توقف النبى العظيم عن الدعاء على رعل وذكوان.

أدرك أن ربه ومولاه يريده رحمة للناس وداعيا ً لهم لا عليهم.. إنه يريده بابا للرحمة حتى للذين عذبوه وآذوه أو قتلوا أصحابه غدرا ً.. يريده أعلى درجة فى النبوة والرسالة من درجة سيدنا نوح الذى دعا على قومه بعد أن يئس منهم.. وكأنه يريد أن يقول له: إننى أريد أن أختم بك الرسالة.. وأن تكون آخر وأعظم وأعلى نهجا ً بالدعاء للناس لا الدعاء عليهم.. وهدى نبينا «صلى الله عليه وسلم» أعلى وأرفع وأشمل من هدى سيدنا نوح رغم مكانته وعظمته ورسالته.. ورغم أن سيدنا نوح من أولى العزم من الرسل لكن شرع نبينا هو أكمل الشرع.. وهديه ينسخ ما سواه.

نريد أن ندعو للناس لا أن ندعو عليهم فهذه هى مهمة الدعاة أتباع النبى «صلى الله عليه وسلم».

أما الذين يدعون فى كل خطبة على كل فصائل الدنيا بأسرها فهؤلاء لم يتضلعوا بعد من هدى النبوة.. ولم تتشرب قلوبهم رحمتها ورقتها وسماحتها.. وكأنهم يؤثرون هلاك الآخرين على هدايتهم.. ويقدمون مصلحتهم على مصلحة الدين.
أعرف وأسمع كثيرا ً من يدعو على قرابة 4/3 سكان الكرة الأرضية فى كل خطبة.. دون أن يفكر يوما ًماذا يفيده أو الإسلام لو دخل هؤلاء النار.

وأعرف من يدعو بالانتقام الإلهى على كل من يعارضه أو يؤذى فصيله.. ولم يفكر يوما ً كما تفكرت أن الله لن ينتقم من هؤلاء إلا بعد أن يمد لهم فى الظلم والعسف والبغى «علينا طبعا» حتى يصبحوا مستحقين للإهلاك والانتقام..

فقلت يومها: «ما أحكمك وأرحمك يا سيدى يا رسول الله الذى علمتنا أن ندعو للناس ولا ندعو عليهم».

فهل نتعلم منك ذلك؟.. أم نظل نطلب الهلاك والانتقام للآخر دائما.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة