د. محمد على يوسف

المزايداتى!!

الأربعاء، 16 يناير 2013 05:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل جربت يوما أن تُتهم بما لم تفعل أو تدفع عن نفسك أخطاء ارتكبها غيرك؟ هل خُضت من قبل حوارا حوله محاورك إلى تحقيق نازى، تقمص فيه ببراعة شخصية وكيل النيابة؟ إن كنت قد فعلت فأنت ممن التقوا صاحبنا الـ«مزايداتى»، و«المزايداتى» شخص لا يتردد لحظة فى اتهام مخالفه اتهاما مباشرا وسريعا بكل نقيصة، بدءا بالتقصير والتفريط، وانتهاء بالتواطؤ والعمالة!! سواء كان يعرف مخالفه، أو لم يسمع به من قبل، يكفيه أن يقيّمه من خلال سمته أو مظهره أو انتمائه الفكرى، ليتحمل كل ما اقترفه أشباهه منذ فجر التاريخ إلى يوم الناس هذا، وهو شخص لا يهتم كثيرا بأمور يعتبرها البعض موضوعية، فهى فى نظره مجرد خرافات؛ أمور كالإنصاف والتثبت والتبين وإنزال الخلق منازلهم، المهم فقط بالنسبة له أن يمارس هوايته، التى صارت فيما بعد حرفته.. ألا وهى المزايدة!

إن كان جديدا فى الـ«كار» فسيغلف مزايداته بصيغة السؤال والاستفهام، وسيتقمص دور ضابط أمن الدولة عند أول خلاف فى الرأى بوضع قائمة أسئلته المملة من نوعية: أين كنتم يوم كذا؟ وماذا فعلتم فى شأن كذا؟ ولماذا لم نسمع لكم صوتا فى الموقف الفلانى؟ ولماذا لم تنتقدوا الواقعة الفلانية؟ وماذا قدمتم للقضية الترتانية؟ وهكذا دواليك.. ثم لا يلبث أن يُتْبع قائمة السؤالات التى يحسبها عسيرة بقائمة اتهامات جزافية يجيب بها تلك الأسئلة، أو يتطوع لإجابتها مزايداتى منافس يتبرع بحسم التحقيق، وتعيين نفسه قاضيا وربما جلادا إن استطاع إلى ذلك سبيلا.. غالبا ما تكون تلك الأسئلة أو الاتهامات بصيغة الجمع المريحة، فهى أسهل الصيغ، وتوفر على الأخ «المزايداتى» مجهودا كبيرا فى البحث والتحرى عمن يزايد عليه وتاريخه ومواقفه، يكفيه فقط أنك تشبه فلانا الذى فعل، وعِلانا الذى سوى، وبالتالى فأنت مسؤول عن كل زلاتهم وأخطائهم وخياراتهم بحكم القرابة الأيديولوجية والشبه الظاهرى.. الطريف أن الأخ «المزايداتى» ربما لا يعرف عنك إلا شكلك، وربما يفاجأ أن أغلب أسئلته إجابتها تنجيك من سيف اتهاماته ومقصلة مزايداته، لكن المشكلة تكمن فى المبدأ نفسه.
إن مجرد قبولك لفكرة المزايدة المستمرة على مواقفك، والمحاسبة الدائمة على تاريخ حياتك، تجعلك ترضى من حيث لا تدرى بالوقوف فى قفص الاتهام وفى موضع الدفاع عن النفس، وهو مكان لم يكلفك شرع ولا منطق أن تقف فيه، فلست متهما أصلا، وإن افترضنا - جدلا - أنك كذلك فالبينة على من ادعى، والمتهم برىء حتى تثبت إدانته، لكن هذا طبعا فى عرف البشر الطبيعيين فقط.. أما «المزايداتى» فهو رجل يزر الوازرة وزر الأخرى، ولا يرتاح إلا بإدانتك وتشويهك، وإن استطعت مرة تبرئة نفسك أمام مزايد، فسيسارع عشرات الزملاء من أبناء «الكار» نفسه ليدينوك بمواقف لم تفعلها، ولا يُتصور أنك ستسير حاملا سيرتك الذاتية على صدرك. فإن قبلت أن تقف فى ذلك الموقف، فإن ذلك غالبا سيؤدى للأسف الشديد إلى أن تعمل ألف حساب دائما لأهل تلك الهواية أو المهنة، ومن ثم ستضعهم فى اعتبارك قبل اتخاذ أى موقف مفترض أنك تدين به لربك، فإما أن تتردد فى اتخاذ موقف أو رأى وربما لا تتخذه أصلا، وإما أن تحرص على إرضائهم بموافقتهم على طول الخط درءا لشرهم، وإما أن تغلق فمك تماما، وحينئذ تكون من حيث لا تدرى حققت مبتغاهم، وباركت مسعاهم. الحل يا صديقى ألا تشغل نفسك بأصحاب تلك الهواية، وألا تلتفت لمزايداتهم، وألا تستسلم لتحقيقاتهم، فإن كنت يوما ما قد صدعت رأيا، أو اتخذت موقفا على أساس من الموضوعية والصدق مع النفس، فلا يضيرك من خالفك، ولا ينفعك من وافقك، أما هؤلاء فلا تعرهم اهتماما، فإن إرضاءهم ليس غاية ولا هو يدرك، وهم إنما يخفون ضعفهم بالنيل من صاحب الفكرة بدلا من مناقشتها، ولو كانوا أقوياء حقا لانشغلوا بالكلمة عن المتكلم، فدعك منهم، وانشغل فقط بمن إرضاؤه غاية وتدرك.. إن الحق حق بذاته وليس تبعا لحامله، ولن يغير كونه حقا تشويه مصدره، أو تعميم أفعال غيره عليه، والكل يعلم ذلك ويدركه ما عدا أصحابنا هؤلاء، فإن المزايدة هوايتهم، والتعميم سبيلهم، والتشويه حرفتهم، وتحطيم نفوس المخالفين أسمى أمانيهم، لذلك استحق أفرادهم هذا اللقب الذى أهديهم إياه.. لقب «المزايداتى».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة