سوف تظل رؤيتنا للمستقبل مرتهنة برؤيتنا للماضى وفهمنا للحاضر، وهناك من يرى أن المستقبل يكمن فى استرجاعنا الماضى بكل ما فيه ليحكم كل حياتنا فى الحاضر ليصل بنا إلى مستقبل له نفس أوصاف وخصائص الماضى «المقدس».
وهناك من يرى أن وسيلتنا لبناء الحاضر هى استلهام الماضى لفك شفرات الحاضر وصولا لمستقبل لوطن يعيش فيه جميع المواطنين فى حرية وكفاية وكرامة وعدالة، وهنا لا بد من فهم معنى «السلطة» ومعنى «الدولة» والجدلية بينهما وارتباطهما معا بعلاقة التأثير والتأثر.
وبمناسبة وصول جماعة الإخوان المسلمين - المحظورة سابقا - للحكم بعد ثورة رفعت الحظر عن الجماعة فكافأت الجماعة من قام بها بسرقة ثورتهم، ومع التبسيط الفكه - أو المر - تكون العلاقة بين مفهوم «السلطة» ومفهوم «الدولة» أشبه بالعلاقة بين «طبق الفتة» و«هبر اللحم» فقد استطاعت الجماعة المحظورة سابقا الاستحواذ على «طبق الفتة/ السلطة» والتهامه قبل أن تنضج «هبر اللحم/ الدولة».
وبدون الدخول فى «هلفطة» الفضائيات فى هذه الأيام فإننا نعنى بمفهوم «السلطة» أنه يعنى مجموع الصلاحيات التى يخولها الشعب للمسؤولين فى الدولة، واختيار الشعب للأداة السياسية التى تحدد نوع هذه الصلاحيات وطبيعتها، وكذلك شمول هذه الصلاحيات على حق المسؤولين فى اتخاد القرارات وإصدار الأوامر الملزمة للجميع، والسلطة هى الاستخدام المشروع للقوة وأن القوة هى شرط أساسى وضرورة لتحقيق الحكم. بمعنى لكى يكون الحكم فى أى دولة ناجحا وعادلا لابد أن تتحول القوة فى المجتمع إلى سلطة، ولابد أن تتجسد هذه السلطة فى شكل مؤسسات دستورية.
ويمكننا أن نقول بضمير مستريح إن القوة هى العنصر الأساسى والمُحرك الضرورى لكل أبعاد السياسة فى كل مجتمع وما نعنيه بالقوة هنا هو مقدرة الإنسان على إقناع أو إجبار الآخرين للقيام بشىء ليس بإمكانهم القيام به دون ذلك، ونريد أن نذكر الجماعة المحظورة سابقا والحاكمة اليوم بأن مفهومهم للسلطة بناء على العقيدة التى يتاجرون بها - فى الظاهر على الأقل - أن القوة هى فى الأصل أداة محايدة يمكن تسخيرها للخير أو استخدامها للشر وهذا الاستخدام يتوقف على من يملكها، وعليه فعلى من يريد أن يتعاطى السياسة أن يدرك أن أداة القوة قد أصبحت ضرورة لابد منها لكل من يريد أن يحقق أهدافه مهما كانت هذه الأهداف، ولهذا نجد القرآن الكريم يأمر المسلمين بإعداد كل ما يستطيعون من قوة والاستعداد لكل التحديات المستقبلية والأخد بكل الوسائل والأسباب الممكنة والمشروعة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم..» ويظهر معنى القوة فى مفهوم السلطة، وفى وصف دور الحديد كرمز للقوة فى تحقيق العدل بين الناس «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس..»، أى أن السلطة ترتبط بالقوة التى ترتبط بدورها بالعدل، والسلطة تقوم على أساس حق الاختيار وهو حق دستورى للمسؤولين فى الدولة لتمكينهم من صنع وتنفيد وتفسير القوانين والسياسات نيابة عن الشعب، أما التسلط فهو يقوم على أساس السيطرة والغلبة والاغتصاب والإكراه والسعى لامتلاك كل أدوات القوة لتحقيق الهيمنة والاستمرار فى الحكم مهما كلف الثمن، ويمكن فهم التسلط على أنه عملية إكراه غير مشروع ومرفوض من قِبل الأغلبية - التى تتمتع بشرعية تمت سرقتها - وبمعنى آخر فى الوقت الذى تكون فيه السلطة مرتبطة دائما بالمشروعية التى أساسها الاختيار والقبول - وعدم سرقتها - يقوم التسلط على أساس الإكراه ويهدف إلى الإجبار والخضوع والهيمنة غير المشروعة حتى لو كانت بغطاء شرعى تمت سرقته بليل، فالسلطة ضرورة اجتماعية لكل تجمع بشرى ولا وجود لدولة بدون سلطة.
أما عن مفهوم «الدولة» فالدولة - أى دولة - هى تجمع سياسى يؤسس كيانا يمتلك اختصاصا سياديا فى نطاق إقليمى محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، وبالتالى فإن العناصر الأساسية لأى دولة هى الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة والاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها، ويرى الليبراليون أن الدولة هى كيان محايد بين المصالح والجماعات المتنافسة فى المجتمع، وهو ما يجعل الدولة ضمانة أساسية للنظام الاجتماعى، فيما يرى الماركسيون أنها أداة للقمع الطبقى بوصفها دولة «برجوازية»، أو أداة للحفاظ على نظام التفاوت الطبقى القائم فيما يرى الاتجاه الاشتراكى الديمقراطى أن الدولة عادة هى تجسيد للخير العام أو المصالح المشتركة للمجتمع من خلال التركيز على قدرة الدولة على معالجة مظالم النظام الطبقى، فيما يرى الاتجاه الدينى المحافظ أن مفهوم الدولة يرتبط بقوة بـ «السلطة» والنظام لحماية المجتمع من بوادر الفوضى، وهو ما يفسر محاولة الإخوان المسلمين بعد وصولهم للسلطة مباشرة لـ«أخونة الدولة» للسيطرة على «الدولة» عن طريق استيلائهم الكامل والقوى على «السلطة» ليتم دمج مفهوم «السلطة هى نحن» بمفهوم «الدولة هى نحن».
ولا شك أن الجماعة وحلفاءها قد تسرعوا فى التهام طبق الفتة قبل أن ينضج اللحم الذى يحاولون التهامه، ولذلك فسوف يصابون بعسر هضم دائم ومزمن فلن يفيدهم طبق الفتة ولن يحصلوا على اللحم الناضج مطلقا مهما حاولوا الإسراع فى هضم طبق الفتة.
براء الخطيب
كلام فى البديهيات.. التهام طبق الفتة قبل أن ينضج اللحم!!
الأربعاء، 16 يناير 2013 11:09 م