أيها المتشددون، ارفعوا أيديكم عن المرأة فقد أعزها الإسلام وكرمها ورفع شأنها، وانظروا إلى عقلها وليس جسدها، ولا تسلطوا ألسنتكم على ما يحط شأنها ويسفّه دورها، فهى الأم والزوجة والأخت والابنة، وتتحمل فوق طاقتها فى صبر وصمت، فلا تكونوا عليها لتزيدوا آلامها وأوجاعها، فى هذه الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، وتحتاج إلى من يمد لها يد العون والمساعدة، لاستعادة حقوقها الناقصة ودورها الطبيعى فى المجتمع، بدلا من حصارها بترسانة من الفتاوى المُسيئة التى تُنسب للإسلام، والإسلام برىء منها.
ليست كل نساء مصر مترفات يضعن زينتهن ويتعطرن ويجلسن فى المنازل لانتظار الأزواج وتلبية شهواتهن، فيخرج علينا أحد المتشددين قائلا: «ليس من حق المرأة أن تخرج من بيتها، فقد يكون زوجها فى حاجة أن يعاشرها»، فمثل هذه الفتوى تثير الضحك والبكاء، لأنها تتعامل مع الغرائز بشكل حيوانى وتهين احترام الزوج ووقار الزوجة، وعلى شاكلة هذه الفتاوى أمور أخرى تحظر على الرجل - مثلا - أن يجلس على مقعد كانت تجلس عليه امرأة غريبة، حتى لا يُثار من حرارتها فيرتكب حراماً، ولو انتبه رسامو الكاريكاتير لمثل هذه الفتاوى المنتشرة فى الفضائيات، لوجدوا فيها إبداعات تجعل ريشتهم ترقص فوق الأوراق ضحكاً وسخرية.
أيها المتشددون، ثلث نساء مصر يُطلق عليهن «المرأة المعيلة» التى مات زوجها أو أعجزه المرض والبطالة عن العمل، ويتحملن عبء العمل والإنفاق على البيت والأولاد والزوج المقعد..ويجب أن تكون هذه المرأة هى الأولى برعايتكم وعطفكم وفتاويكم، وأن تحضوا الناس على إيجاد فرص عمل شريفة لهن، وأن تساعدوهن على تحمل متاعب الحياة الكريمة، لإنقاذ أسرهن من الفقر والجوع والمرض والتشرد والانحراف، وإن فعلتم ذلك سيكون ثوابكم عند الله سبحانه وتعالى كبيراً، وسينظر إليكم الناس بقدر من الوقار والاحترام، وتكونوا قدوة حسنة وصورة طيبة للإسلام والمسلمين. أيها المتشددون، مصر فيها ملايين الصور المشرقة لنساء لسن فى المخادع، فى الجامعات والمراكز البحثية والوظائف المرموقة وسيدات أعمال وعاملات فى المصانع والمزارع، ويحتاج هذا النوع من النساء إلى دعمكم ومساندتكم، وأن تقولوا لهن صحيح الدين فى الحياة والعمل وتنشئة الأطفال ورعاية البيت والزوج، بدلا من فتاوى الجنس وغرف النوم وإرضاع الكبير والصغير، فتاوى تحض على الفضيلة وتعلو بشأن القيم والمثل العليا والأخلاق، وتقدم الوجه المضىء للإسلام الذى يقول رسوله الكريم «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وليس من أخلاق المسلم أن يكون نماماً وثرثاراً، أو أن يُسّخر دينه الحنيف للحط من شأن المرأة التى يكرمها الإسلام ويهينها المتشددون. أيها المتشددون، كونوا مع المرأة ولا تكونوا عليها، دافعوا عن حقوقها ولا تنتقصوا منها، اهتموا بعقلها وعلمها وعملها، وليس جسدها وغريزتها وأنوثتها، فالحياة ليست مجرد غرفة نوم كبيرة مليئة بالنساء والعطر والأنوار الخافتة، وإنما تعب ومشقة وشمس حارقة، والنساء يقمن بأعمال منزلية شاقة منذ الصباح حتى المساء، وتذهب المرأة لعملها لتساعد زوجها فى تحمل نفقات المعيشة وغلاء الأسعار الرهيب.. المرأة ليست مجرد دمية ملفوفة فى علبة حمراء، يفتحها الرجل ليلا ليطفئ شهوته ثم يعيدها فى الصباح، إنهن شركاء الحياة وصنّاع الرجال وسر الوجود، فارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.