زينب عبداللاه

دموع خير أجناد الأرض

الجمعة، 18 يناير 2013 08:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انهمرت دموعه على وجهه الممتلئ بالجروح وآثار الدماء وهو مستلق على سرير متهالك بمستشفى الحوامدية العام وإلى جواره عدد من زملاءه المصابين فى حادث قطار البدرشين، لم يتحدث "منسى" مع من حوله ولم يشعر بالجوع الذى كان يشعر به قبل انقلاب عربة القطار رغم أنه لم يدخل جوفه شيئا منذ ظهر اليوم السابق حين ترك أسرته الفقيرة فى سوهاج مودعا أمه وأشقائه الصغار بعد أن ترك لهم 70 جنيها هى كل ما يملك ولم يستبق لنفسه سوى خمسة جنيهات كى يشترى "سميطة وكوباية شاى" يسد بها جوعه حتى يصل إلى معسكره.

ارتعش جسده حين تذكر كلمات صديقه مصطفى الذى لقى حتفه فى الحادث وهو يقول له "جعان ماكلتش من الصبح لو جبت سميط هاتلى واحدة معاك" لم يمهله القدر وانقلبت عربة القطار لتتمزق أشلاؤه ويموت جائعا هو وأغلب المجندين الفقراء الذين لم يتعد عمر أغلبهم 20 عاما كما عاشوا أغلب حياتهم.

يبكى منسى حاله وحال زملاءه "كنا رايحين نخدم الوطن"، لكنه يستدرك ويفكر بعمق فى معنى خدمة الوطن "ياريتنى مت ومات زمايلى وإحنا بنخدم الوطن، بنموت ونتذل بإيدين أبناء الوطن، ننضرب ونتهان فى المظاهرات ونموت وماحدش يحس بينا، وإحنا اللى بنروح دايما فى الرجلين نقف بالساعات فى عز البرد والحر من غير أكل ولا شرب ويبعتونا نخدم فى بيوت الباشوات الكبار وكأننا فى سخرة ويقولوا خدمة الوطن، يشحنونا فى العربيات زى السردين ونموت فطيس فى القطارات هية دى خدمة الوطن ؟!".

تنساب دموع منسى على جراحه المنحوتة وقلبه المكسور، يختلط دمه مع هذه الدموع الغالية التى غلبت صبره وصمته الدائم على ما يراه من قسوة وإهانات، يحمل ما يفوق قدرة الجبال ورغم ذلك يعيش دائما على الهامش، لا تلتفت إليه الأضواء إلى حين يصبح هو وزملاؤه جثثا وأشلاء ضحية إهمال وتراكم عفن ينخر فى قلب الوطن، وحينما تلتفت إليه الأضواء لا تخلص النوايا، قد يعتقد البعض أن صمته وصبره جهل وعدم فهم ولكنه يستطيع بحسه الفطرى وقلبه السليم إدراك أن معظم من حوله يتاجر بآلامه وبدمه وأشلاءه، يرقص على جثته وجثث زملاءه، الكل يحاول استغلال الحدث لصالحه دون أن يفكر فى منسى وزملائه ليبقوا دائما منسيين حتى إشعار وحادث آخر.

منسى وزملاؤه هم ثروة مصر الحقيقية هم ملح أرضها من يزرعونها وقت السلم ويروونها بدمائهم وقت الحرب، خط دفاعها الأول الذين يتحملون ما لا يتحمله بشر فى أوقات الاضطرابات والمظاهرات، لا يرفضون أمرا ولا يملكون رفاهية الاعتراض، يعيشون دائما على الهامش وأقصى ما يفعله المتعاطفون معه نظرة تعاطف تمر مرور الكرام حين نراه واقفا لساعات طويلة أثناء المظاهرات أو لتأمين المحاكمات وحين نرى صورته التى جسدها أحمد سبع الليل فى فيلم البرئ، التعاطف هو أقصى ما نعطيه لمنسى وزملائه ولا شىء بعده.
دموع منسى وقلبه المكسور وكرامته الجريحة وحقوقه المنتهكة هى أخطر ما يهدد مصر، فحين يبكى خير أجناد الأرض يجب أن ننتبه جميعا، وأن ندرك أننا أمام خطر حقيقى وأن هذه الدموع هى دماء تنزف من قلب الوطن وإذا استمرت سيتوقف القلب عن النبض، فهل ننتبه حكومة ومعارضة وشعبا كى نمسح دموع خير أجناد الأرض.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة