كان الغياب عن الكتابة قسريا ومؤلما، فلا شىء أكثر قسوة من أن تدخل بوليدك إلى عالم المستشفيات والعلاجات والأطباء والأدوية..
الحقيقة كنت أظن ذلك، بل كنت على قناعة تامة بأن مشاهدة يحيى فى سرير المرض هو منتهى القسوة والألم، ولكن كشف لى الزمن أن سماع المواطن المصرى لخطاب الدكتور محمد مرسى فى الصباح، ثم سماع نفس المواطن لأوجاع ابنه المريض أمر لا طاقة لبشر باحتماله!!
أنت الآن تريد تفسيرا، وأنا أملك التفسير الناتج عن تجربة حية تعايشت معها منذ صباح السبت حينما كان الدكتور محمد مرسى يخطب فى مجلس الشورى متحدثا عن وطن غير الذى نعيش فيه، حيث تفاخر الرئيس باستقرار الوضع الاقتصادى بينما الناس فى الشوارع تصرخ من ارتفاع الأسعار وغياب الدولار، ومن شدة حماس مرسى ووردية تصريحاته وكلام خطاباته الذى خلا من أى إشارة للأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية ولمؤسسات الدولة التى تفقد بوصلة التخطيط وللوطن المقسوم اجتماعيا بفعل قراراته بدا واضحا أنه كان يتحدث عن سويسرا وهو يخطب فى نواب مجلس الشورى على طريقة المخلوع حسنى مبارك «الدنيا ربيع والجو بديع»..
حتى هنا والأمور تسير فى مجراها الطبيعى رئيس ضعيف يعانى من أعراض قلة الحيلة ويحكم مصر وفقا لتعاليم مبارك القديمة، ولكن حينما تتلامس الأزمات العامة مع الأزمات الشخصية تتكشف لك بشكل أوضح وضاعة السلطة الحاكمة وأكاذيبها وإفك تصريحاتها، حينما تسمع رئيس الجمهورية وهو يتحدث فى الصباح عن وطن خال من المشاكل، ثم يأتى الليل لتجرى بابنك وهو مريض فى شوارع القاهرة بحثا عن سرير فى مستشفى محترم من أجل علاجه، ومن شوارع 6 أكتوبر حتى شوارع مصر الجديدة أربع ساعات كاملة من البحث عن سرير فى مستشفى ينقذ ابنى من أوجاع مرضه، وبعد محاولات مضنية ووساطات متعددة نجحنا فى حجز مكان للطفل الذى ضاعفت ساعات الجرى والتيه فى الشوارع من أوجاعه، فهل يعلم الرئيس الذى أخبرنا فى خطبته الأولى أنه سيسير على درب عمر ابن الخطاب وسيرفع شعاره «لو تعثرت بغلة فى العراق لسأل الله ابن الخطاب عنها» إن آلاف المرضى فى مصر لا يجدون سرائر فى المستشفيات تحميهم وأن آلاف الأطفال لا يجدون الرعاية الطبية المحترمة فى مستشفيات مصر العامة وحتى الخاصة، أعلم جيدا أن تدهور حال المنظومة العلاجية إرث مباركى وأعلم جيدا أن مرسى لم يكمل عامه الأول فى قصر الرئاسة، ولكن قبل ذلك أعلم بل سمعت بأذنى مرسى وهو يتكلم عن مصر فى مجلس الشورى وكأنها سويسرا دولة بلا مشاكل، وأعلم أنى سمعت مرسى فى خطاباته من قبل يتحدث متفاخرا بإنجازات كثيرة لم نلمسها على أرض الواقع مثلما كان يفعل مبارك بالضبط، أنا لا أحاسب مرسى على إرث مبارك، أنا فقط أسأل لماذا يفضل الرئيس اللجوء إلى لعبة التصريحات الوردية ونشر الأكاذيب التى تصور مصر وكأنها النرويج أو السويد، ألم يعاهدنا من قبل على الصراحة والشفافية؟ أم أنه مثل المخلوع لا يملك سوى أن يبيع الكلام فى وطن «زهق» من كثرة الكلام؟!!
كلمة أخيرة
سألوا أحدهم: ماهى موارد مصر؟.. فرد قائلاً: ««عندنا موارد بشرية.. الإنسان له معتقد، وهذا يكون دافعا لتحقيق أهدافه، نحن مؤمنون والمؤمن لديه مفاهيم مختلفة، عندنا الإيمان وعندنا اللغة تتميز عن غيرها من اللغات عندنا بشر كتير ولغة مشتركة ومعتقدات مشتركة وعندنا مياه رغم مشاكل المياه.. عندنا أرض واسعة وعندنا غاز وفى توازن بين الليل والنهار مش زى بعض الدول الأخرى.. ما عندناش جبال تحجزنا عن بعض وعندنا وقود وعندنا خامات وفيه حاجات نادرة كمان.. هذه الموارد كثيرة جدا والأهداف مهمة جداً.. دور الإعلام مهم جداً وإذا تجانس وتوحد.. إذا تجانس مش عيب وصار له أهداف يحققها ويترسخ بداخله أن عندنا أدوات كثيرة، فكيف يكون الإعلام وسيلة ناجحة لتحقيق هذه الأهداف؟»..
السؤال ونص الإجابة كما قرأته دون إضافة أو حذف كانا ضمن لقاء بعض الإعلاميين العرب والرئيس المصرى، وصاحب الإجابة السابقة هو محمد مرسى المفترض فيه أن يكون رئيسا لمصر.. ولا تتعجب فإنها إرادة الله!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة