هذه رسالة إلى الموت أن يترفق بنا ويبتعد قليلاً عن دروبنا وخيامنا ويسكن بعيداً ولو إلى حين وأن يتريث وينأى بشراسته وقسوته عن حصد أرواح البسطاء والفقراء من هذا الشعب.
فلم يعد لدينا احتمال عليه فى كل لحظة تحت عجلات القطارات أو على الطرقات أو تحت الأنقاض وكأن لديه إصرار أن يتحول إلى «عادة يومية» كئيبة وحزينة لا مفر منها، لم يعد له هيبة وجلال، فشهيته مفتوحه ووجبته اليومية تلتهم العشرات وسيفه ومقصلته تنتظر المزيد.
بالأمس حصد الموت 16 ضحية جديدة فى أسيوط المنكوبة بالحوادث قبل أن تجف دماء 21 ضحية فى قطار البدرشين و4 على قضبان مزلقان أرض اللواء بالجيزة و29 فى عقار المعمورة بالإسكندرية و11 صياداً فى مطروح وقبلها 16 جندياً فى سيناء فى هجوم إرهابى قذر و21 جندياً من جنود الأمن المركزى فى انقلاب حافلة نقل فى سيناء أيضاً ثم قطار البدارى فى أسيوط الذى حصد أرواح 51 طفلاً.
هل أصبح الموت قدراً يومياً قوته دماء المصريين الغلابة التى تراق بلا ثمن وبلا أدنى شعور بالمسؤولية من حكام مصر الجدد ذوى الجلود السميكة والوجوه الباردة والقلوب الميتة والإحساس المنعدم.
وإذا كان الأمر كذلك، حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً، فلا نجد سوى أن نوجه هذه الرسالة إلى الموت من الذين ينتظرونه كل يوم نقتبسها من إحدى روائع الكاتب والأديب التركى عزيز نيسين:
أيها الموت لا تأتِ مصحوباً بالصّخب، فأنا لا أريدُ أن يسمع أحدٌ بمجيئك لزيارتى، يكفى أن نعرف نحن الاثنان أنا وأنتَ بذلك.
ليستْ هناك حاجةٌ لأنْ تستنفر الآخرين بحدث قدومك. تعالَ بشكلٍ يليق بى، تعال بهدوءٍ وصمتٍ، تعالَ بما ينسجم مع نمط حياتى الّتى دامتْ أعواماً طويلةً دونما ضجيجٍ فأنتَ حين تأتى من أجلى أنا، أنتَ آتٍ لِتأخذنى لا لتقضَّ مضاجع الآخرين.
تعال فى واحدةٍ من لحظاتى العاديّة، تعال ليلاً وإذا شئتَ تعال نهاراً، تعال فى الصّيف أو فى الشّتاء، إنّ بابى وقلبى مفتوحان لكَ، يكفى ألاّ تجعلنى أستصغر نفسى، يكفى ألاّ تضطرّنى إلى طلب الماء من أحد، ألم نتصارع معاً برجولة؟
إذا كنْتَ مصرّاً على جعْلى أتأفّف فعلى الأقلّ أرجوك أن تجعلنى أفعل ذلك بينى وبينك. أيّها الموت تعال باحترام فنحن بانتظارك.