بعد عامين من الثورة، لا أحد راضياً بالنتائج، الكل لايشعر بالتغيير، كان الأمل أن نصبح الآن فى بداية الطريق لنظام جديد، يوفر العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، لكن مازلنا ضمن نظام مشوه، يحمل الجينات الوراثية للنظام السابق، لاتزال حيرة البدايات بنية اقتصادية وسياسية غير واضحة، ومازلنا لانعرف من أين نبدأ؟.
طبيعى أن تكون هناك مهام عاجلة وأخرى متوسطة المدى أو ممتدة، هل نبدأ بالتعليم أم البحث العلمى، الصحة والمستشفيات والإسكان والبطالة، نحن أمام موازنة يقولون دائما إنها «الأكبر فى تاريخ مصر»، لكنها الأكبر من حيث الأرقام والعجز، لا تقدم للأغلبية أكثر مما كان، لا مساكن لمحدودى الدخل والفقراء، ولا حديث جدى عن البدء فى إزالة العشوائيات ونقل سكانها إلى مساكن آدمية تليق بهم.
الفلاحون منسيون فى حديث التغيير، ومعهم سكان العشوائيات، وإذا قلنا من أين نبدأ، علينا أن نبدأ من الفلاحين والعشوائيات والعمال، لدينا 5 ملايين أسرة تمثل الفلاحين فى مصر، بما يقترب من 30 مليونا على الأقل، يضاف إليهم 20 مليونا فى العشوائيات، و29 مليون عامل وموظف.
حاصل جمع هؤلاء هو أغلبية المجتمع وهم بداية أى انطلاق نحو المستقبل، لكنهم مايزالون مجرد أرقام، ومحل للتلاعب الانتخابى، ومازالوا منسيين، مثلما كانوا، صحيح أن النظام الحالى ليس مسؤولا عن معاناتهم، لكنهم هم محل التغيير وبدايته.
تطوير العشوائيات ليس فى نقل سكانها، لكن النقل يفترض أن تسبقه دراسة تشارك فيها وزارات التضامن والإسكان والأمن والخبراء الاجتماعيون، لإعادة تشكيل مجتمعات جديدة ينتقل إليها سكان العشوائيات، وتضمن لهم حياة إنسانية متكاملة، من تعليم وعلاج وتوظيف، نحن نتحدث عن عشرين مليون مواطن، يشكلون طاقة بشرية هائلة، وفئة تعرضت للظلم والتهميش والإقصاء لعقود طويلة، وهو ما شوه كثيرا من مظاهر حياتهم.
والفلاحون أيضاً منسيون فى حديث التغيير، يأكلهم المرض، وتضيق بهم الأرض، ويواجهون مظالم الاحتكار فى البذور والسماد، وأسعار توريد منتجاتهم، فضلا عن المرض والجهل، والعمال تدهورت أحوالهم، بعد سنوات من الخصخصة والإهمال، ومازالوا يعانون الظلم فى القطاع العام، والظلم فى مواجهة أصحاب الأعمال الخاصة.
القضاء على العشوائيات مهمة النظام والحكومة، وأيضاً مهمة التيارات السياسية ورجال الأعمال، ممن يتحدثون عن التغيير والثورة، ويفترض أن يجرى التفكير فى إنشاء صندوق مليارى، يشرف عليه مجلس أمناء من الشخصيات العامة بالانتخاب، يتلقى تبرعات ويمول خططا تتجاوز الترقيع إلى الحل الشامل، سواء بتطوير ما يتحمل التطوير من هذه المناطق، أو نقل سكان المناطق التى لا يمكن إصلاحها.
من العشوائيات والقرى الفقيرة نبدأ، وهذه المناطق ومواطنوها كانوا مجالا لتلاعب النظام السابق، وتجاربه، وألعاب الحزب الوطنى الانتخابية، وتحرير إرادتهم هو المقدمة لبناء ديمقراطية، لأنه طالما ظلت إرادتهم قابلة للبيع والإغراء، لا يمكن دعوتهم لمشاركة حقيقية.
هؤلاء هم المنسيون فى كل حديث، المذكورون فى الانتخابات والمعارك السياسية، والذين لم تصل إليهم الثورة بعد.. ولا حديث التغيير.