الناس على دين حكامهم مقولة قديمة ولكن لها وقع شديد الواقعية سواء من التاريخ أو من الحاضر ولنبدأ بالتاريخ ونتخذ من حكاية عروس المولد النبوى الشهيرة فى مصر مثالاً، فمن عمق التاريخ من زمن الخليفة الفاطمى المستنصر بالله وهو الخليفة الثامن فى سلسال الفاطميين ويقال أن عادة عروس المولد ترجع إلى عصره حيث أن الخليفة كان يخرج لتأديب المغيرين على مصر من أهل الصحراء والقبائل المناهضة لحكم الفاطميين الشيعة، فلما أراد المستنصر أن يشجع رجال جيشه على الانتصار وعدهم لو أبلوا بلاءً حسنا فى الحرب لزوج كلا منهم أجمل عروس وبالفعل انتصر جيش المستنصر بالله ووفى الرجل بوعده فزوج رجال جيشه من أجمل جواريه. وفى العام التالى تصادف الاحتفال بذكرى نصر جيش المستنصر بذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام فراح قصر الخليفة والمسؤول عن الحلوى يصنع عروسا من السكر فى أبهى حلة احتفالاً بذكرى الرسول وذكرى النصر التى ترتبط بالزواج والعرائس. وتوالت السنوات على حكم المستنصر وضعفت الدولة فى عهده وعمت المجاعة والفوضى سنين وكان المتحكم فى الحكم آنذاك أم الخليفة التى قوضت أركان الدولة بالمكائد والدسائس حتى أن الخليفة ذاته باع أملاكه وصار فقيراً وتركت أمه وأخواته مصر واتجهوا للعراق، وما علينا من تفاصيل حكاية المستنصر التى تطول غير أن عروس المولد التى ابتدعها المستنصر ظلت جزءاً من تراث المصريين حتى بعد أن ذهب زمن المستنصر وحتى بعد أن عاد المصريون إلى المذهب السنى بهزيمة الفاطميين ودخول الأيوبيين فكما ذكرت سابقاً الناس على دين حكامهم. وتمر السنين على مصر وأهلها وتظل الناس تتبادل عروس المولد كطقس مصرى ولا أحد يذكر المستنصر ولا جيشه.
يحكم مصر الآن مرسى وجماعته ومصر مازالت تحتفل بالمولد النبوى الشريف وتباع فيها عروس المولد ولكنهم ألبسوها الحجاب تزلفاً ونفاقا للحاكم، عادى، فتلك هى سنة الحياة فالناس على دين حكامهم، وإن كان حكامهم يرون الدين فى صلاة الجمعة والحجاب فإذاً على العروس الحلاوة أن تتحجب وأن يخرج صوت من هنا أو هناك موتور يقول للمصريين أن عروس المولد الحلاوة حرام فيأتى من يحاول الالتفاف على الأمر فيحجب العروس حتى تصير عروس مولد شرعية.
وقد يستكثر أو يستنكر أو يستهجن البعض هذا النفاق ولهؤلاء أقول رويدكم تلك هى حكمة التاريخ التى تعلمناها من قراءته فلا تنزعجوا فالمستنصر ذهب ولم يعد يذكره المصريون ولكن بقيت العروس الحلاوة للبت والحصان للواد، ومرسى وجماعته الذين يحكمون مصر الآن دفعوا الناس للتدين الظاهرى لأنهم ملوكه فحجب الصناع العروس الحلاوة ولكن مرسى وجماعته سيذهبون يوماً قريباً أو بعيداً وستظل العروس الحلاوة للبت وستخلع حجاب النفاق. وربما يأتى يوم لا أنت ولا أنا سنكون فيه أحياء وسيكتب صحفى أو صحفية فى جريدة حكاية عن زمان مضى حين حجب المصريون عروس المولد وربما يومها سيذكرون مرسى وجماعته فتعيش عروس المولد ويموت الحكام.