د. محمد على يوسف

مدمن ثورة

الأربعاء، 23 يناير 2013 05:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هى رسالة أخطها إلى أصدقاء الميدان، ورفقاء الابتلاء، وزملاء النضال، من تظللت معهم أيامًا بسحائب الغاز المسيل، وحملونى على الأعناق قبل المنصات حين قلت وكتبت ما يوافق رأيهم. رسالة ربما ألاقى بعدها كثيرا من الاستهجان أو حتى الامتهان من كثير من رفقاء الأمس، الذين باتوا للأسف يعتبروننا خصوم اليوم. لكنى سأخطها وليكن ما يكون.. سأخطها لكم ولم تزل ذكريات الثورة وما بعدها ماثلة أمام عينى، ولم يزل طعم دمع الفرحة وحلاوة ملوحته على لسانى، وأحاسيس سجدة الشكر يوم سقوط الطاغية لم تمح من ذاكرتى، ولم تزل ذكريات محمد محمود وأنتم تحملوننى مصابا تطوف بعقلى من حين إلى حين. اليوم بين يدى الذكرى الثانية لثورتنا، أقول لكم: أفيقوا، وانفضوا عن قلوبكم ذلك الإدمان الذى يتسرب إليها من حيث لا تشعرون.. نعم للأسف أقولها لكم، وصديقكم من أهدى إليكم عيوبكم. لعلكم لم تفاجأوا بأن لديكم عيوبًا كما أن لباقى البشر عيوبًا؟! أم أن منكم من تخيل أنه بثوريته صار معصومًا؟، أراكم أعقل من ذلك، ولذلك سأصارحكم بأحد أهم تلك العيوب: إن بعضكم صار لديه ذلك النوع من الإدمان، إدمان الثورة. لن أزايد عليكم، أو أرميكم بما رُمينا به سويا من قبل بدءاً من الكنتاكى، مرورا بالماسونية، والعمالة، إلى آخر القائمة المعروفة. لكننى أيضا لا أرضى لكم أن تظلوا حبيسى مرحلة أو فكرة، لا تستطيعون مجاوزتها، وأسر الأفكار كثيرا ما يكون أشد إحكاما من أسر الأسوار!! والثورة فكرة ذات بهجة وسطوة على النفس لا يعرفها إلا من عاش أجواءها، لكنها إذا ملكت على المرء حياته، فإنه لا يتصور العيش إلا من خلالها، بل ربما يقتات عليها، وأعنى بالمقتاتين على الثورة أولئك الذين يعيشون على امتصاص دمائكم الطاهرة حين تسيل على الأسفلت، ليظل لهم وجود، ولأسمائهم وكلماتهم قيمة، فهم بدون ثورة لا شىء، لا مكانة، ولا صوت، ولا قيمة بنائية، ولا إضافة فكرية، وهؤلاء هم من يقتاتون على ثورتكم، وهم من يمتصون دماءكم المراقة.
أوقن أن جُلكم لم يصل إلى مرحلة الاقتيات الثورى، لكن للأسف البعض قد فعلوا. أما الإدمان الثورى فهو على بلا شك أهون، إلا أنه يظل خطيرًا، وخطورته كما قلت أن من يتسرب إلى قلبه هذا الإدمان لا يستطيع أن يتحرك أو يمضى أو ينظر إلا من خلال نظارة الثورة، ولا يتخيل للحظة حقيقة أن الثورة مرحلة، وأنه لابد أن تتلوها مراحل أخرى، وأن الثورية ليست مهنة أو وظيفة، إنما هى حالة تُستحضر فقط عندما يكون لها ضرورة. أؤمن مثلكم أن الثورة لم تحقق كل أهدافها بعد، وقد حدث كثير من الالتفاف حول مقاصدها، وتلوثت بعض معانيها، وكثر المستغلون والمنتفعون والممتطون لصهوتها، لكن هل التثوير هو السبيل الوحيد لاستكمال أهدافها؟ وهل لابد للثورى أن يحتقر كلمة «الإصلاح» ويبصق على الإصلاحيين ليكون بذلك ثوريًا؟
إن شعار «الثورة مستمرة» الذى أدمنه بعضكم للأسف لابد له من معايير تضبطه، ولابد أن نعرف بشكل واضح متى ستنتهى فى أنظاركم وكيف؟.. الفكرة الثورية تعتمد التغيير من الجذور، وهى بلا شك ذات بريق، لكن من قال إن كل خلل يعالج بالبتر؟ من قال إن كل ما لا يرضينا ينبغى هدمه وإعادة بنائه؟ أو ليس الإصلاح فى كثير من الأحيان يعد حلاً؟ أو ليس شعار نبى الله شعيب عليه السلام «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت»؟ أو ليس الوعد الربانى «إنا لا نضيع أجر المصلحين»؟.. إن لكل مرحلة ما يناسبها، والحكمة وضع الشىء فى موضعه، ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن الثورة ستستمر إلى الأبد؟! لابد أن نعى أننا لا نعيش وحدنا، وأننا إذا اعتمدنا منهج الهدم المستمر، فسيأتى يومًا من يهدم ما نريد بناءه، وحينئذ فلا نلومن إلا أنفسنا، فنحن من اخترنا البتر سبيلاً وحيدًا للتغيير، ولن يحكمنا بذلك إلا قانون واحد، قانون القوة.
ألا فليقف الثائرون مع أنفسهم لحظات، وليسل كل منهم نفسه، هل سيأتى يوم يرى فيه أن الثورة قد انتهت؟، فإن كانت الإجابة بـ«لا» فلا تعليق.. وإن كانت الإجابة بـ«نعم» فليتصور شكل حياته عقب انتهاء الثورة ولو بعد عمر طويل، ليعلم هل هو فعلاً ثائر للحق أم أنه قد تحول إلى مدمن ثورة!!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة