اقرأ معى هذه السطور:
«أتعجب كثيرا حين ينتقدون الرئيس مبارك لأنهم يرون أنه لا توجد حرية صحافة فى عهده، طيب، لماذا لا يوجهون نفس الانتقاد وربما ما هو أشد منه للرجل الذى يعشقونه؟ وأتعجب حين ينتقدون الرئيس مبارك لأن الكثير من الانتخابات فى عهده مزورة، طيب ماذا عن عهد الرئيس عبدالناصر، حيث لم يوجد سوى تنظيم سياسى واحد؟ وأتعجب حين ينتقدون عهد الرئيس مبارك، لأن فيه الكثير مما يتعارض مع استقلال القضاء، وماذا عن مذبحة القضاة فى عهد الرئيس عبدالناصر؟».
قائل هذه العبارات التى تبرر لمبارك فساده ليس عبدالله كمال، ولا أسامة سرايا، ولا سمير رجب، ولا إبراهيم نافع، ولا ممتاز القط، ولا محمد على إبراهيم، ولا أيا من أساطين النفاق فى العهد البائد، قائل هذه العبارات هو الكاتب الثورى المعارض الشجاع معتز بالله عبدالفتاح، الذى كتب هذه السطور فى مقاله «مصر التى تركها ناصر» المنشور بالشروق فى الجمعة 1 أكتوبر 2010، وقد أراد به أن يهاجم عبدالناصر والناصريين فغازل مبارك «بالمرة» على طريقة ذلك الساعاتى اليهودى الذى أراد أن يكتب نعيا لولده، فكتب «كوهين ينعى ولده» ولما قالوا له إن النعى لابد أن يكون من خمس كلمات قال لهم اجعلوه هكذا، «كوهين ينعى ولده ويصلح راديوهات»، والحقيقة أن هذه الطريقة الملتوية، هى من أميز ما يتميز به «عبدالفتاح» فهو يجيد اللف والدوران ويجيد التلاعب بالمصطلحات، ويجيد تكييف نفسه مع الظرف التاريخى جيدا، كما يجيد عرض خدماته لمن يحكم، عن طريق مغازلته مرة بعد مرة، وكما يغازل الإخوان ويعرض خدماته عليهم، ويجلس فى جمعيتهم التأسيسية رهن الإشارة ثم يخرج منها ليقول فى الاستديوهات كلمات ملتوية لا تشفى ولا تغنى، كان يغازل جمال مبارك ويمهد له مذللا له كل العقبات التى من المحتمل أن تواجهه فى الترشح للرئاسة، واصفا له فى مقاله المنشور بالشروق تحت عنوان «جمال مبارك رئيسًا لمصر: هل يريد؟ هل يستطيع؟ هل يصلح؟» الطريقة المثلى للوصول للسلطة، مؤكدا أن كل الظروف مهيأة لتولى جمال مبارك الحكم، ناصحا إياه بالتعهد للجيش بالحفاظ على مكتسباته، والتعهد لأمريكا بالحفاظ على مصالحها، وهى بالمناسبة نفس الروشتة التى اتبعها الإخوان للوصول للحكم، ولم يكتف بذلك، لكنه قال إن وصول جمال مبارك للحكم «مكسب كبير لأنصار التحول الديمقراطى»، كما وصف جمال بأنه «صاحب مشروع وطنى لمحاربة الفقر وتحقيق التنمية».
أعود إلى مقاله المفخخ عن «أخطاء الثورة المصرية»، لأكتشف أن معظم ما عده «عبدالفتاح» أخطاء، كان هو أحد أسبابها، فهو مثلا يلوم على الثوار أنهم وثقفوا فى المجلس العسكرى تحت شعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، وهو الذى نادى باحترام المؤسسة العسكرية والحفاظ على مكتسبات قادتها، «الشروق12 فبراير 2011» «تحت الشعار المرفوع حاليا الجيش والشعب إيد واحدة»، كما أنه يلوم على الثوار ترك الميدان بعد التنحى، برغم أن عنوان المقال السابق الإشارة إليه، كان «لتنتهِ الثورة وتبقى روحها» وإنه لم يكتف بهذا، وإنما كتب فى الشروق 16 فبراير 2011 مقالا بعنوان «فليهدأ الثوار وليستجب المسؤولون» قائلاً: «أوافق على أن يهدأ الثوار تماما، بل وأطالب أصحاب المظالم والمطالب الفئوية بأن يتراجعوا عن التظاهر والاعتصام»، كما كان أحد الذين رسموا هذا المصير البائس للثورة المصرية فى مقاله المنشور بالشروق «من الثورة إلى الدولة»، الذى قال فيه نصا: ولكن المعضلة التى تواجهنا أننا نريد تأجيل الانتخابات البرلمانية لأبعد فترة ممكنة، لإعطاء فرصة لأحزابنا الضعيفة للغاية كى تنشط»، وبالمناسبة فإن فكرة تأجيل الانتخابات التى طالب بها فى هذه الفقرة، كانت أحد الأخطاء التى أشار إليها عبدالفتاح فى مقاله المستفز.
أكثر ما يحزننى ليس تبدل «عبدالفتاح»، ولا تلونه بحجة الوسط أو التوسط، لكنى أرى أن اعتبار «عبدالفتاح» ومن على شاكلته «وسطيين»، تشويها لهذا المبدأ العظيم، فليس الوسط لعب على الحبال، وليس الوسط «أضرب وألاقى» وإن كان هناك من يعتبر الوسطية مجرد «التأرجح»، فعليه على الأقل أن يسكت قليلا حينما نضع أساس دولة، لأن الأساسات لا تستقيم مع الاهتزازات.