كثيرون أولئك الذين كفروا بالثورة لأنهم لم يحققوا من خلالها شيئا يذكر أو يصنعوا منها مجدا شخصيا..كثيرون أولئك الذين أصيبوا بالإحباط واليأس أملا فى غد أكثر استقرارا ورفاهية، بعد أن رأوا المعوقات والعثرات تحيط بالثورة من كل جانب..البعض بلغ اليأس مداه فإذا بهم يفضلون استبداد مبارك على حريات الثورة ونزاهة الانتخابات مادامت أنها حملت الإخوان إلى السلطة والحكم.. ونسى هؤلاء وأولئك أن الثورة صنيعة ربانية وحكمة إلهية الله الذى انبتها ورعاها، هى هدية السماء إلى المستضعفين فى الأرض، فمن منا كان يتوقع ربيع الحرية الذى هب على ربوع بلادنا..لو أتينا بأعظم خبير أو محلل استراتيجى لوقف عاجزاً أمام تلك الثورات التى انطلقت من تونس ليس بقيادة زعيم ملهم ولا مفكر عبقرى أو ثائر مشهور إنما بائع خضار مغمور قاد الأمة نحو الحرية.. وانطلق هدير الحرية مزلزلا ومدويا من تونس إلى ميدان التحرير.. إلى صنعاء وحضرموت إلى طرابلس إلى دمشق.. حتى أصبح ربيعا يلهب العالم، من تشيلى غربا، إلى الصين بالشرق.. من وول ستريت..إلى قلب تل أبيب، وأضحت الثورة العربية تعلم شعوب العالم دروسا جديدة فى ديمقراطية السلمية الحقيقية، بلا مؤثرات خارجية..حتى رأينا الرئيس الأمريكى أوباما يتابعها عبر التلفاز لا يستطيع أن ينتظر تقارير مخابرات بلاده التى تدير العالم نحو مصالحها.. عبرة وعظة لكل الطغاة والمستبدين إرادة الشعوب العاشقة للحرية تصنع المعجزات..هى تنتصر بأسباب وبلا أسباب لأن معية الله تتنزل على عباده المستضعفين رحمة وتأييدا، ولا أبالغ إذا قلت إن نصر الله تنزل على شعوب بلدان الربيع العربى، كما تنزل على صحابة النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر يوم الفرقان.
ولم يكن أبوالقاسم الشابى مبالغا حينما قال:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
على الكبار.. على الساسة والمفكرين وخبراء الاستراتيجية والتخطيط والمبدعين والذين يكيدون ويدبرون مكر الليل والنهار من أجل العروش ونهب الشعوب..أن يتعلموا اليوم من الصغار الذين صنعوا مستقبل بلادهم بأيديهم بعدما هربوا من الواقع المرير إلى العالم الافتراضى بحثا عن واقع غير واقعهم، هربوا من الظلم بحثا عن العدل، إمعانا فى اكتشاف فراغات أكبر، غير التى يعيشون فيها.
اليوم تغيير أربع رؤساء والخامس فى طريقه للرحيل تطارده لعنات التاريخ.. والشعب السورى مصمم على استكمال ثورته رغم الآلام والمحن يصارع الموت من أجل أن ينال الفرحة ويعيش فى حرية وكرامة.. فهل يعتبر الطغاة الذين شاخوا على كراسى السلطة وشربوا من دماء المستضعفين حتى انتفخت بطونهم..فمهما طال الليل لابد من طلوع الفجر.. دائما النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا..ليت قومى يعلمون.