البيانات التى أدلت بها الرئاسة والأحزاب والقوى السياسية مؤخرًا، كلها حملت بلا شك قرارات ومقترحات بعضها يتسم بالاتزان وبعضها دون ذلك، لكنها فى جميع الأحوال تسعى إلى تحقيق الصالح العام من وجهة نظرها. أهم ما حملته تلك المواقف هو قرارات الرئيس مساء الأحد ومقترحات جبهة الإنقاذ مساء السبت ومؤتمر الجبهة مساء الاثنين ومقترحات حزب مصر القوية يوم الأحد.
بداية، طرحت الرئاسة قرارات تتضمن إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول فى بعض المحافظات. وهى بلا شك قرارات تهدف إلى حفظ الأمن بسبب حالة الفوضى. بعبارة أخرى من الصعب أن تجد أى معنى للتفاوض مع من يستخدم العنف. المؤكد أن هناك الكثير ممن ينتقد هذه القرارات وتلك المواقف، لكن المنتقدين لم يطرحوا البديل لحفظ الأمن، بعد أن فتحت السجون وهرب من بداخلها كما فى حالة السويس، وسلبت وهددت بعض منشآت الدولة وهى ملكية عامة وهو ما اتضح فى مقرات المحافظات ومقرات الأحياء فى العديد من المحافظات. بل على العكس أرى حفاظًا على المؤسسات شمول الإسكندرية بهذه القرارات، إضافة إلى حظر التجول ليلاً فى محيط بعض شوارع القاهرة الملتهبة، خشية على المنشآت الممثلة تحديدًا فى ماسبيرو ومجلس الشورى وغيرها.
أما دعوة الرئيس بخصوص الحوار فهى تقليد لما سبق، إذ تتسم بالقصور، حيث كان يتوجب على الطرف الداعى، أن تتضمن دعوته تأكيد على أن القرارات التى سيخرج عنها الحوار ستكون ملزمة، وستذاع على الهواء مباشرة فى أجهزة الإعلام، وإلا تتجه لما اتجهت إليه الجمعية التأسيسية التى اتخذت قراراتها بناء على المحاصصة الحزبية. وحسنًا ستفعل الرئاسة إذا تفاوضت مع المعارضة فقط. بعبارة أخرى، لا داعى لمؤسسة الرئاسة أن تستقوى بمواقف التيار الدينى، فتحضره إلى الحوار، فيفسد الحوار قبل بدايته.
الأمر الأخير هذا مهم للغاية، لأن مبادرة مصر القوية أشارت فى تحميلها للرئيس مرسى مسئولية الأحداث، إلى أنه من المهم دعوة الشاطر إلى حضور الحوار، وهو أمر غريب، لأن المدعو لا صفة له، ناهيك عن أن ترديد اسمه فى أى رواق للحوار يفسده قبل أن يبدأ.
أما مقترحات جبهة الإنقاذ فقد تمثلت فى بنود لا تحمل أى نوع من المغالاة. فهى تدعو الحكم إلى تشكيل حكومة وفاق وطنى، وهذا الأمر يعد من المبادئ الرئيسة التى نكث فيها الرئيس وعوده للقوى والفواعل السياسية فى أكثر من مناسبة، ولذا لزم التذكير بأهمية الأمر، فهو سيجعل هناك مسئولية مشتركة ملقاة على عاتق كافة القوى السياسية أمام الشعب المصرى، مما سيجعلها أمام تحدٍ كبير سيظهر إيجابياتها ومسالبها أمام المواطن قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.
الأمر الثانى، فى بيان الإنقاذ هو دعوة البيان للاستجابة للقانون واحترام المواطن من خلال المطالبة التى بحت الأصوات بشأنها لإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون بعد أن أصبحت طرفًا أصيلا فى إدارة أمور البلاد بغير سند من القانون أو الشرعية، كما ذكر بيان دكتور أحمد برعى المتحدث باسم جبهة الإنقاذ. بعبارة أخرى إن الجماعة مطالبة بتوفيق أوضاعها حتى تثبت أنها مجرد جماعة دعوية لا علاقة لها بالعمل السياسى الذى يجب أن يترك لحزب الحرية والعدالة، كما أنه من المهم أن يتم الإعلام والإفصاح عن مواردها المالية كغيرها من المؤسسات.
الأمر الثالث، هو تشكيل لجنة قانونية لتعديل الدستور، وهذا الأمر أصبح ملح للغاية خاصة وأنه ثبت أن الحوار الوطنى الذى ترعاه الرئاسة منذ أكثر من شهر حول هذه المسألة غير مجدٍ، لأن هذا الحوار جاء بمشروع قانون الانتخاب، تغيرت وتبدلت بعض مواده إبان مناقشته فى مجلس الشورى، لذلك يمكن بسهولة أن يقوم مجلس النواب المنتخب بتعديل ما اتفق عليه فى الحوار الوطنى حول الدستور. لذلك من المهم تشكيل لجنة محايدة من المتخصصين فى هذا الأمر، تطرح ناتج عملها للاستفتاء.
لكن يبدو أن ما جاء به بيان الإنقاذ بشأن إزالة آثار الإعلان الدستورى وعزل النائب العام، جانبه الصواب، لأن إزالة آثار الإعلان هنا يقصد منه عودة النائب العام السابق لعمله. وهو أمر يجافى مطالب الثورة بدون شك، ويعيد للأذهان اتهام التيار الدينى للقوى المدنية بأنها أصبحت تضم فى جنباتها بعض فلول النظام البائد.
المؤكد أن القيادة السياسية سوف ترفض هذه المطالب والمطالب الشبيهة التى حملها مؤتمر جبهة الإنقاذ مساء اليوم، فهى لم تأت إلى السلطة بعد 80 عامًا لتتركها بتلك السهولة. هنا الأرجح أن تتصاعد حدة الفصام بين التيار المدنى والحكم. وإذا ما تطورت الأحداث وتحولت إلى عنف عام لا قدر الله ربما لا يقف الجيش متفرجًا إزاء هذا الأمر. هذا الموضوع لا يعنى أى دعوة للجيش للنزول للشارع ولعب دور سياسى إضافة للدور الأمنى، ولكنه مجرد قراءة للأحداث ربما تجد لها صدى مع تزايد حالة الاستقطاب الشديدة التى لم يشهد لها المجتمع المصرى مثيلا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة