وكأننا ملعونون بالصفر، كلما تركناه قليلا عدنا إليه مرة أخرى، حتى صرنا لا نتطلع إلى مفارقة «الصفر» وإنما صرنا نخاف إن رجعنا ذات يوم إليه فلا نجده.
كلنا «صفر» لا أستثنى أحدا، والدم السائل على أسطح شاشات التليفزيون أكبر دليل، تعود السلطة إلى ممارساتها القمعية، ويعود الحزب الحاكم إلى إقصاء معارضيه وتخوينهم واتهامهم بالاتهامات الباطلة، ويعود المتظاهرون إلى الشارع، ويعود القمع إلى الشاشات، ويعود التبدل والتلون والتقنع خلف الشعارات الرنانة والمبادئ الزائفة، ويعود الدخان إلى الأجواء والدموع إلى العيون والحيرة إلى القلوب والجيش إلى الشوارع والتلعثم إلى شفاه الحكام والإشاردات النابية إلى أيادى المتابعين.
دعوة للحوار يسبقها اتهام بالتواطؤ والخيانة والعمالة والبلطجة، يقول «مرسى» إن قلبه مفتوح للنقاش، بينما تقول أفعاله إن قلبه مغلق «بالضبة والمفتاح» وعقله مسمط على اللاشىء، وألسنة أتباعه مضبوطة على نغمة التخوين، يدعو الجميع إلى ما يسمى بـ«الحوار الوطنى» واضعا مبدأ الرضوخ إلى الأمر الواقع شرطا لاستمرار الحوار ونجاحه، ولست أدرى كيف يمكن لعاقل أن يدعو أحدا لحوار وهو الذى كذب فى كل دعواته السابقة، ومازالت مقاعد الحوار الفاشل السابق «دافئة» لم تبرد بعد، والأفدح والأقصى فى دعواه الأخيرة لـ»الحوار الوطنى» هو أنها تأتى تحت سيف قانون الطوارئ والتهديد بالتصعيد وهو ما يجعلها دعوة للإذعان لا يجب أن يقبلها شريف.
يطالب الدكتور مرسى فى خطابه بضرورة احترام أحكام القضاء، ويعلن أنه يحترمه ويقدره، لكنه ينسى أن يعطينا «أمارة» لهذا الاحترام المزعوم، فبأى حق يقول أنه مع القانون هو الذى أفرج عن الإرهابيين بقرار رئاسى غير قانونى، وبأى حق يدين العنف وهو الذى سمح لأنصاره بمحاولة اقتحام دار القضاء العالى ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى، وإرهاب قضاة المحكمة الدستورية ومحاصرتها والتهديد باقتحامها، وبأى حق يدين ويهدد ويتوعد دون أن يضع فى حسبانه أن القانون إذا لم يطبق على الجميع أصبح هو الظلم المطلق وأن العدالة إذا لم تخضع الكل صارت سوطا يسوق عبيدا لا يملكون من أمرهم شيئا.
ها نحن نعود إلى الصفر مرة أخرى، وها نحن نبكى على الضحايا الذين يسقطون دون سبب، كما فى القطارات والشوارع كذلك فى المظاهرات والاعتصامات والاشتباكات، أما الإخوان فى بيانهم الرسمى فقد حملوا مسؤولية العنف لقوى المعارضة، كما علقوا فشلهم على شماعة «الإعلام الفاسد» وكأنهم لا يخطئون ولا يذنبون ولا يتجبرون، ولم يطر ببالهم أنهم شركاء فى العنف بسياستهم الفاسدة وألسنتهم التى لا تعرف إلا التهديد أو التخوين، وهكذا أصبحت الطوارئ هى الحل والقمع هو الشريك الأعظم للجزء الثانى من حكم مبارك برعاية محمد مرسى، والحوار غطاء سياسى لمزيد من القمع فى جريمة أخرى تضاف إلى لائحة جرائم الإخوان فى حق الوطن والثورة، ولا مفر من «الصفر» الذى نعود إليه مجبرين، لنستعد إلى تدارك أخطاء الموجة الأولى من الثورة المصرية، ونستعد أيضا لإجراء محاكمة عاجلة لكل من أسال الدم المصرى وعلى رأسهم «محمد مرسى».