كانت التوقيتات دائما تؤثر فى مسارات السياسة، ويمكن لساعات أن تغير الشكل والموضوع، ويبدو أننا أصبحنا على شفا وضع سياسى متأزم، يحتاج إلى ما يشبه المعجزة، نحن فى وضع تكاد فيه «الدومينو» تغلق على كل الاختيارات، ربما بسبب التأخر فى الحركة.
هناك عنف ومصادمات وقتلى وجرحى، فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية، ومصادمات فى القاهرة والمحافظات، فى المقابل هناك اتهام للشرطة باستخدام العنف المفرط والرصاص الحى، وفى الجهة الأخرى فإن الشرطة ترد بأنها تتعرض لهجوم فى عقر دارها، فى السجون والأقسام، وأن أياديهم مغلولة.
المتظاهرون يؤكدون أنهم لايستخدمون العنف أو الرصاص، والشرطة أيضا، والسؤال: من أين يأتى الرصاص والموت؟، لا يمكن أن تكون كائنات فضائية أو العفاريت والأرواح الشريرة، بل فعلها مواطنون يعيشون بيننا بلطجية، وخارجون على القانون لا علاقة لهم بالثورة والديمقراطية، وأحيانا يفعلها الشعور بخيبة الأمل، وانسداد الطرق والبطالة وضياع الأمل، ولا تكفى تفسيرات الفلول والمؤامرة والقلة المندسة.
نظرية المؤامرة وحدها لا تكفى لتفسير ما يحدث، وعلى من يعتمدون هذه النظرية أن يقدموا الدليل على ما يقولون، حتى لا تظل الاتهامات مشهرة وعامة وخالية من الدليل، لأنه ما لم يتم تحديد المخطط والفاعل فى هذه الجرائم فسوف يظل الأمر فى إطار التكهنات والشائعات، وتستمر جرائم الحرق والاقتحام والاعتداء مع ملاحظة أن الحوادث تتكرر طوال عامين من البالون للتحرير، ومن العباسية لماسبيرو، ومحمد محمود ومجلس الوزراء، والاتحادية وبورسعيد والسويس.
هناك من يرى الحل فى تطبيق قانون الطوارئ على من يهينون هيبة الدولة ويمارسون العنف ضد ممتلكات الشعب، الطوارئ لم يعد يخيف أحدا بعد ثلاثين عاما، ولا نجح فى مواجهة المخدرات والإرهاب، وهيبة الدولة ليست فقط فى الشرطة، وإنما فى تطبيق القانون، وأن يكون القانون مصحوبا بيد الدولة الحانية والفاعلة لمواجهة الخروج على القانون فى الشوارع، والأراضى الزراعية، والمخالفات، لن يحترمها هؤلاء الذين لا يحترمون أى قانون، ويصبح الطوارئ مجرد «خيال مآتة».
الشرطة أصابتها حالة انكسار، دفعت رجالها للانزواء فى إضراب صامت وغياب للرغبة، وغياب للقانون أصلا، والقانون العادى هو الذى يحتاج إلى التفعيل، قبل التفكير فى الاستثنائى، هناك غياب لدوريات الشرطة على الطرقات السريعة، ومداخل ومخارج المدن، ولم تعد «سارينة الشرطة» تخيف أحدا، والشرطة دفعت ومازالت تدفع فاتورة السياسة والانسداد السياسى.
لا تكفى الطوارئ، وتحتاج أولا لتحديد الفاعل والمحرض، وبدلا من اللف والدوران إذا كان الجميع ضد العنف، والتخريب فمن مصلحتهم أن يقاوموه معا، ويرفضوه معا.
وهنا يأتى دور السياسة، التى عليها بناء نظام يشارك فيه الجميع، ولا يكون لفرد أو تيار، وتبقى الأغلبية معزولة، الثورة تحتاج إلى تجنيد الأغلبية، من أجل بناء الدولة للجميع، قبل أن تغلق «الدومينو».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة