وائل السمرى

وقالت الصناديق لليهود: نعم

الخميس، 03 يناير 2013 02:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن كان قلبك يحتمل الضحك فاضحك، وإن كانت عينك قادرة على البكاء فابكِ، فبرغم ما أثارته تصريحات القيادى الإخوانى عصام العريان من بلبلة كبيرة، لكن أحدا لم يلتفت إلى أهم ما فى الأمر، وهو أنه فى الوقت الذى لم نأت بحق الشهداء، ولم نأت بأموالنا المهربة، ولم نأت بسارقينا الفارين، ولم نأت بأراضينا المنهوبة، ولم نأت بمصانعنا المسروقة، أراد القيادى الإخوانى، مساعد الرئيس، نائب رئيس الحرية والعدالة، زعيم الكتلة البرلمانية فى مجلسهم الأعور، أن يأتى باليهود المهاجرين عن مصر ليستوطنوا فيها مجددا، واعدا إياهم بتعويضات بالمليارات، بينما يعيش ما يقرب من نصف عدد سكان مصر ببضعة جنيهات، كما لو أن الثورة قامت والشهداء قتلوا من أجل «عودة اليهود»، أو أن الثوار كانوا يهتفون فى مظاهراتهم «سامع أم راشيل بتنادى.. العريان هيهنى ولادى».

مفارقات تصريحات العريان ومن سانده من قيادات الجماعة لا تنتهى عند المقارنة بين «حق شهداء الثورة» و«حق يهود العودة»، بل زادت مساحة الكوميديا السوداء حينما تم ضبط جندى يهودى متسللا إلى الأراضى المصرية، فقال فى التحقيقات إن سبب مجيئه إلى مصر هو دعوة العريان لليهود بالعودة إلى مصر، وهو الأمر الذى- إن صح- لكان فاصلا كوميديا جديدا كفيلا بأن يدمى القلوب قبل العيون من الضحك الأسود المتقطر غما، فها هو العريان الذى تربى فى جماعة كانت ترفع شعار «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود» تبدو كأنها تنادى «انسوا خيبر يا يهود.. يا يهودى امتى تعود».

السؤال الذى حير الجميع، ومن ضمنهم بعض أبناء التيار الإسلامجى، مثل نادر بكار هو: لماذا يثير العريان هذه القضية فى هذا التوقيت الحرج الذى تعانى فيه الجماعة من تدنى مستوى شعبيتها إلى مستويات غير مسبوقة؟، أما السؤال الذى حيرنى شخصيا فهو: كيف يلقى العريان بهذا «الكارت» مجانا، فالإخوان لم يدخلوا حتى الآن فى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل حول القضية الفلسطينية، ولم يبدأ موسم «العروض الخاصة» الذى افتتحه السادات واستكمله مبارك وينوى الإخوان التوسع فيه؟. لكنى بعد تفكير طويل اكتشفت أن الإخوان كثيرا ما يلجأون إلى إرسال بعض إشارات الطمأنة إلى الغرب قبل وبعد كل انتخابات، وطريقة الطمأنة فى الغالب تكون عبر إرسال التصريحات المغازلة لإسرائيل، وليس الإخوان فقط، إنما السلفيون أيضا، ولنتذكر الآن تلك الجولات المكوكية التى أجراها قيادات الإخوان قبل انتخابات مجلس الشعب الماضى مع القيادة الأمريكية، فقط عد بذاكرتك إلى الوراء قليلا لتكتشف أن الجماعة كانت كثيرا ما تطنطن بأهمية الحفاظ على معاهدات السلام قبل انتخابات الرئاسة، وتذكر أيضا جولات جون ماكين قبل تهريب الأمريكان وقبل انتخابات الرئاسة، وتذكر تصريحات يسرى حماد لإذاعة جيش الدفاع الإسرائيلى التى حملت شبهات تطبيعية مؤكدة، بالإضافة طبعا لتصريحات العريان عقب الاستفتاء. ضع كل هذه الوقائع المتتالية بجانب بعضها لترى أن أبناء التيار المسمى بالإسلامى سرعان ما يبادرون إلى التزلف إلى الغرب عن طريق إسرائيل مع كل انتخابات، فهم يولون وجوههم شطر الكنيست الإسرائيلى بعد كل انتخابات كما لو أنهم لا يكتفون بشرعية الصناديق التى أتت بهم، كما يطنطنون، إنما يسارعون دوما إلى تقديم فروض الولاء والطاعة لإسرائيل ومن يساندها، كما لو أنها هى التى أتت بهم وليس «الصناديق» التى ما إن قالت نعم لدستور الإخوان المزور حتى ناشد العريان اليهود أن يعودوا، ولم يكن ينقص المشهد إلى أن يطلع علينا أحد شيوخهم ليقول لنا: وقالت الصناديق لليهود.. نعمممممممممم.

المفارقة التى لا يجب أن تغيب عنا اليوم هى أن العريان ابن جماعة الإخوان المشهورة بحديث قياداتها عن إبادة اليهود كـ«جنس»، معتبرين إياهم «أحفاد القردة والخنازير»، مبشرين باليوم الذى يقول الحجر فيه للمسلم «ورائى يهودى فاقتله»، هو الذى لبس ثوب الليبرالى الذى ينادى بالتعايش السلمى بين أبناء الوطن الواحد مهما كانت ديانتهم، بينما أدانت القوى المدنية صاحبة الخطاب المتسامح «الأساسى» مثل تلك التصريحات الغامضة، وكان الأولى بالإخوان وفقا لقناعاتهم أن يتبوأوا مقعد القوى المدنية، والأولى بالقوى المدنية أن تتبوأ مقعد الإخوان، لكن هذا ما لم يحدث، ولنا هنا وقفة قد تكون واجبة، فالأمر إذا جردناه من ظلاله التاريخية يبدو عاديا، فلليهود المصريين كامل الحق فى وطنهم، لكن ذلك ما يعد مغالطة كبرى للتاريخ، ففرق كبير بين فنانة يهودية مصرية عظيمة مثل «ليلى مراد» التى ذابت فى المجتمع المصرى، وأقامت الحفلات الفنية الكبرى دعما لجيش مصر، وبين فنانة يهودية أخرى هى راقية إبراهيم التى حاربت مصر وأبناءها، واعتنقت الفكر الصهيونى وشاركت فى قتل عالمة الذرة المصرية الكبيرة «سميرة موسى». وفرق كبير بين من آمن بأن الدين لله والوطن للجميع، وشارك فى بناء وطنه بحب وإخلاص، وبين من سعى إلى هدمه وتخريبه ثم هرب إلى دولة الصهاينة العنصرية، مضحيا بوطنه وإنسانيته معا، ومن يغالط تلك الحقائق فهو أبله أو مغرض أو مريض.

لا مجال هنا للحديث عن «حق عودة اليهود إلى مصر» فى وقت يعرف فيه الجميع أن بعضهم أسهم فى تخريب مصر، ومحاربة ثورتها الناشئة فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى. من هنا يتجلى لنا أن موقف القوى المدنية التى استنكرت تصريحات العريان أكثر وطنية من موقف الإخوان، ذلك لأن مصلحة مصر مقدمة على أى مصلحة أخرى، والأمن الوطنى المصرى أهم من أى مصالح حزبية أو تربيطات دولية.

من هنا نكتشف أنه لا توجد أى أسباب منطقية لمطالبة العريان لليهود بالعودة، وأقرب الأسباب المنطقية التى تفسر هذه الدعوة هى أن الإخوان حصلوا مؤخرا على لقب المعادى الأول للسامية، وفقا لتصنيف أعلنته إحدى المؤسسات اليهودية، ولذلك كان لابد من تصريح عنترى مدوٍّ ليمحو الإخوان هذا العار الذى كان يعدونه فخارا. ومعلوم أن دوائر صنع القرار فى أوروبا وأمريكا تتأثر بمثل هذه التصنيفات، ومعلوم أيضا أن الإخوان الآن يقبلون الأيادى من أجل حفنة دولارات تساعدهم على إنعاش تجربتهم فى الحكم بعدما تبين لهم ولنا أنهم مفلسون سياسيا، فاشلون اقتصاديا، نفعيون دينيا. والمحزن فى الأمر أنه بدلا من أن يتكاتفوا مع الشعب المصرى للخروج من الأزمة، سارعوا إلى تقديم التنازلات بعد التنازلات للكيان الصهيونى من أجل المعونات والمنح والدولارات، وليس لدى الإخوان «جزمة» كجزمة عبدالناصر التى قال لأمريكا ذات يوم «معونتك ع الجزمة».





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة