من المؤكد أنك تعرف أن «التاريخ يعيد نفسه»، أوأنك قرأت المقولة الشهيرة «لا جديد تحت الشمس»، والتى تجزم بأن كل ما يحدث قد حدث فى الماضى، وأنك تستطيع أن تستنتج ما سيحدث فى المستقبل، إذا ما استوعبت ما حدث فى التاريخ، لكنى لم أكن أتخيل أن يأتى يوم 28 يناير 2013، ليكرر ما حدث فى يوم 28 يناير 2011 بهذا التطابق المدهش، نفس حظر التجول المهترئ، ونفس الوجوه الغاضبة فى الشارع، ونفس الأكاذيب المعلبة فى الأفواه، ونفس الوجوه المتلونة المشوهة، لكن الملمح الأبرز فى كل هذا هو موقف أمريكا من الغضب الساكن فى شوارع مصر، فقد صمت البيت الأبيض تماماً طوال فترة القمع الرسمى فى مصر الممتدة من 25 يناير وحتى مساء 28 يناير، وحينما تكلم المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض، لم يزد كلمة عما قالته هيلارى كلينتون مساء 27، فقد أدانت كلينتون وقتها «أحداث العنف» تماماً مثلما أدان «المتحدث»، وأعلنت ثقتها فى النظام المصرى.. تماما كما أعلن «المتحدث»، ورحبت كلينتون بدعوة مبارك قوى المعارضة للحوار، كما رحب المتحدث، فكلينتون هى المتحدث، وأوباما هو أوباما و28 هو 28 لكن مبارك الآن فى السجن، بعدما كان فى القصر، بينما مرسى الآن فى القصر بعدما كان فى السجن، ولا أظن أن الحال سيبقى على ما هو عليه، إلا إذا كانت هذه الثورة باطلة من الأساس، وهو ما أستبعده تماما، لأنه من المستحيل أن يكون الشعب كله على باطل.
لك أن تتعجب وأن تقول بكل ثقة «سبحان الله»، فلم يظهر المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض إلا بعد انتشار صور الحوار العائلى الذى أجراه مرسى فى القصر مع مرسى الذى فى الأحزاب، تحت مسمى الحوار الوطنى، وكأنه كان ينتظر أن يتم هذا اللقاء الشكلى الفارغ ليدلى بهذه التصريحات الفارغة، تدعيما لرجلهم فى القصر الرئاسى، كما كانوا يدعمون رجلهم القابع الآن فى السجن، لتتأكد بذلك تخوفات قوى المعارضة المدنية التى أكدت أن الدعوة لما يسمى بالحوار الوطنى، ليست من أجل حل مشكلات الوطن المتفاقمة، وإنما من أجل أن يرسل السيد عصام الحداد هذه الصورة الفارغة للبيت الأبيض، للتدليل على مقدرة «مرسى» على احتواء معارضيه، وهى الصورة التى كانت تريدها أمريكا بشغف كبير، لتبرر وقوفها مع رجلها أمام العالم، ولتخدع شعبها تحت زعم حماية الشرعية ،حتى ولو بفبركة الصور وتجاهل أن المعارضة الحقيقية قاطعت دعوة مرسى.
ذات الوقائع تتكرر بملل يصيب بالشلل، لكن لأن الملل لا يعرف طريقاً لقلوب شباب مصر، أصبح أملاً فى الحياة الكريمة السوية، فشبابنا لا يعبأون بمثل هذه الأكاذيب المنتشرة على الألسنة الإخوانية، تحت زعم إدانة العنف، والدعوة للحوار والتهدئة، لذا كان طبيعياً أن يكفر الشباب بنوح النائحين، وعويل البكائين، قائلين للذين يتحدثون عن الدماء السائلة، ولا يلومون سافكها «غوروا بتضليلكم» هذه دماؤنا. نحن نملكها، أما أنتم فقد عفانا انبطاحكم من رؤيتكم.
فى وسط هذه الأكاذيب المحلية والعالمية المعلبة، يأتى الشعر دائما باليقين على لسان «الخال» عبدالرحمن الأبنودى، الذى أعتبره بحق «شاعر الثورتين»، واقرأ معى تلك الأبيات العفية التى كتبها الأبنودى، وصفا لتلك الحالة المزرية من الكذب، ونشرها فى جريدة التحرير مؤخراً، يقول الخال:
واحنا اتْخَلقْنا عشان نِضَايقْهُم
يا يِفْهموا الأوطان.. يا ينزاحوا
حَشَرْنا ربَّك لُقمة فى زُورهم
يا يريَّحونا.. يا مِش حيرتاحوا!!