مريضا كنت طوال أيام الأسبوع الماضى بعد عودتى من قضاء عدة أيام على أرض سيناء مع صديقىّ المخرج السنيمائى الكبير «مجدى أحمد على» والفنان والصحفى الكبير تربية مدرسة روز اليوسف فى بداية السبعينيات «محمد شهدى»، وفيما يبدو أننى لست معتادا على استنشاق الهواء النقى مثل هواء سيناء الذى لم يلوثه الإخوان المسلمون بعد، غير أن أنفاس بعض الإرهابيين القتلة كانوا قد لوثوه بأنفاسهم بعد قتلهم لقوة من جنود حماية حدود الوطن من جيشنا العظيم ساعة الإفطار فى رمضان الماضى، وحتى الآن لم تكشف السلطات الإخوانية عن القتلة.
وفى اليوم التالى من عودتى من سيناء أصابتنى حالة ضيق التنفس التى تصاحبنى فى نوبات متقطعة بعد إجرائى عملية القلب المفتوح، فاستسلمت - بأمر الطبيب - للفراش، وكان هذا فرصة لأن أتابع خطاب الرئيس الأخير ابن جماعة الإخوان، و«الأخير» هذه تعود على «الرئيس» وعلى «الخطاب»، رحت أتجرع خطاب الرئيس ابن جماعة الإخوان والذى بدا مرتبكا «كغير عادته» فاقدا لبلاغته الفجة يشير بإصبعه السبابة فى وجه الجميع بعباراته التى اتسمت بالعنف فى محاولة لإظهار القوة والتماسك فى مواجهة الكاميرا التى أظهرته وحيدا «أو هكذا بدا لى شخصا وحيدا يعانى من وحدة ضاغطة تحيط به بالرغم من وجود الكثيرين حوله»، لكن عباراته العنيفة حول استعداده لاتخاذ إجراءات تصعيدية أكثر عنفا من فرض حالة الطوارئ لم تؤد إلا إلى نتيجة «قوية» كما أراد لها أن تبدو، فكانت محصلة خطابه هى «طلب الحوار»، وطلب مثل هذا لم يكن يعكس «القوة» بقدر ما كان يعكس «الحيرة» فقد كان من الممكن أن يطلب «الحوار» بعبارات هادئة وهذا ليس ضعفا، ولكن هدوء الحكام فى مواجهة مواطنيهم يعنى القوة والثقة فى النفس وفى القرارات، وبدلا من أن يطلب الرئيس من الجهات المسؤولة التحقيق فى قتل المتظاهرين السلميين والوصول بالتحقيقات العادلة لكل قتلة المتظاهرين ومشعلى الحرائق، لكنه قرر أن المتظاهرين هم مجموعة من «البلطجية»، ورؤية الأمر على هذا المستوى تعكس عدم استيعاب حقيقى لما يحدث من ثورة حقيقية تكافح طلقات الرصاص لاستكمال أهدافها المشروعة، بل أطلق عليها «الثورة المضادة»، ثم طلب «الحوار» من بعض المشتركين فى هذه «الثورة المضادة»، متجاهلا كل الثوار الفعليين، ولا ندرى لماذا يطلب «الحوار» إذا كان يعتبر أن ما يحدث هو «ثورة مضادة»؟ حيث قال بكل وضوح إنه مستعد لتصعيد إجراءاته لقمعها، متذرعا كسابقيه باستخدام «شرعية العنف» عندما تستخدمه السلطة، وفى نفس الوقت يرى «عدم شرعية العنف» عندما تستخدمه قوى شعبية ينعتها بالبلطجة، ولا شك أن التمييز بين عنف «السلطة» وعنف «الجانب الآخر» ينطوى على مغالطة واضحة، فالعنف هو واحد، سواء كان يرتكز على مبررات قانونية فرضتها السلطة الحاكمة بالقوة، أو يرتكز على مبررات عقائدية أو أيديولوجية، لأن الإرهاب أصبح وسيلة مرتبطة بالعنف الأيديولوجى - الإسلامى - المنظَّم والموجه ضد العدو الأيديولوجى باعتباره مجرما أخلاقيا وتاريخيا وأيديولوجيا، وبالتالى فليس هناك مجال لاعتبار نوعين من الإرهاب متمايزين جوهريا، واحد قبل تولّى السلطة والثانى بعده، إنه فى كلتا الحالتين إرهاب واحد مهما اختلفت الأساليب والأجهزة التى تنفذه، مع الوضع فى الاعتبار أن قهر القدرة على «التعبير السلمى الحر» يجر الجماعات والأفراد إلى الوقوع فى حلقة متسلسلة من أعمال العنف قد لا تنتهى بسهولة وتزيد من الوضع القائم سوءا، فيما يقع معظم اللوم فى نشوء العنف إلى الأنظمة السياسية المستبدة التى تمارس الحكم بالعنف والقمع والإرهاب، ذلك أن «إرهاب السلطة»، نظرا لشراسته وتأثيره الواضح والعميق يشكل السبب الرئيسى لنشوء العنف عند الأفراد، وبالتالى لنشوء «إرهاب الضعفاء»، فطالما هناك حكومات قادرة على التفرّغ لممارسة الإرهاب فإن الإرهاب المضاد يبقى الرد الوحيد والممكن من قبل ضحاياها، ولكن رد الضعفاء هو فى الغالب رد فعل غير مدروس منبثق من حالة اليأس والشعور بالعجز وافتقاد القدرة على ممارسة أى تكتيك آخر يمكن أن يواجه تلك الأنظمة الاستبدادية، والحال أن العنف غير قادر على شل تلك الآلة القمعية إن لم يزد فى ضراوتها، ففى النظام «التوتاليتارى» يبدو «إرهاب الضعفاء» عاجزا عن النمو والتأثير الفعال، وذلك بمقدار ما تستطيع قوى القمع أن تقضى على كل مقاومة أو معارضة، ولا شك أن تجربة التيارات الإسلامية سواء كانت إخوانية أو «جهادية» تؤكد ذلك، ومع ذلك يظهر بعض الإرهابيين الذين خرجوا من السجون بعفو إخوانى مؤخرا ليصرخوا فى وجوهنا: «أننا لم نستخدم العنف بعد»، أو مثل قول أحدهم: «إذا سقط الرئيس فإن نعوش الموتى تسع الجميع»، وكان «أحمد حسين» مؤسس حزب «مصر الفتاة» هو أول من أدخل إلى الحياة السياسية المصرية فكرة التنظيمات شبه العسكرية للأحزاب السياسية، كما أنه كان من رواد إدخال الأحزاب الإسلامية إلى العمل السياسى فى مصر عقب إنشائه «الحزب الوطنى القومى الإسلامى» الذى دعا إلى الوحدة العربية، ووجود الشريعة الإسلامية فى دستور البلاد، فأنشأ تنظيم «القمصان الخضراء»، فرد عليه حزب الوفد، فأنشأ الوفد تشكيلات شبه عسكرية عرفت بـ«القمصان الزرقاء»، واصطدم هؤلاء بتشكيلات مصر الفتاة، ونتج عن ذلك قتل شخصين، ثم ظهرت التيارات الإسلامية بتنظيماتها العسكرية لتمارس القتل كسقف مرتفع لممارسة العنف، وأدى عمل تلك التنظيمات «الهبلة» إلى الفشل والخيبة، وهذه الأيام يظهر من أبناء هذه التنظيمات من يهدد باللجوء للعنف لحماية السلطة القائمة، وهنا أدركت مدى حكمة السيدة «أم حنان» زوجة بواب العمارة وهى تصرخ فى وجه ابنتها: «ما تخافش من الهبلة.. خاف من خلفتها»، ولكننى متأكد من أن الثوار السلميين الذين لم يخافوا من هذه التنظيمات «الهبلة» فإنهم بكل سلميتهم وشجاعتهم بكل تأكيد لن يخافوا من «خلفتها».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة