يقولون إن العدالة عمياء، وذلك تعبير عن أنها لا ترى هويات من يقفون أمامها ولا تضع فى اعتبارها أى شىء سوى القانون الذى تفرضه على الكبير قبل الصغير، وهو ما يجعل الجميع مطمئنا وهو يقف أمام تلك العدالة لأنه حينما تكون تلك العدالة عمياء، فإنه يكون على يقين من أنه لن يظلم، لكن يبدو أن عدالة «اليومين دول» قد تنازلت عن فضيلة العمى التى تضمن ألا تحدث تفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وأصبحت العدالة «عوراء» تغمض عينا بردا وسلاما عن جرائم القائمين على السلطة وأتباعهم وتفتح عينا من لهيب على كل من يعارض السلطة أو يختلف معها، فالآن تهب كل أجهزة الدولة المتأخونة من أجل محاربة خصوم مرسى والجماعة وتكلف النيابة لأول مرة فى تاريخها المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطنى بضبط وإحضار جماعة مجهولة قالت إن اسمها «البلاك بلوك» وتعتبرها جماعة إرهابية، غير مدركة أنها بهذا الاتهام تخالف كل المسلمات القضائية التى تقول إن المتهم برىء حتى تثبت إدانته.
لا مانع لدى من أن تهب النيابة بقيادة النائب العام الذى يطعن أعضاء النيابة العامة فى شرعيته قانونيا ودستوريا من أجل ضبط الخارجين عن القانون، لكن يحق لنا أن نتساءل الآن: ما هو القانون؟ وما هو الخروج على القانون؟ لا تحسب أنى أبرر للعنف أو أسمح به، لكنى فقط أتساءل، فقد غامت الأمور وأصبح أى شىء كاللاشىء، فمن غير المعقول أن يكون بين سيادة النائب العام خصومة شخصية مع بعض الشباب ولذلك يطالب بإحضارهم وضبطهم، لذا لابد أن نعترف بأنه يريد بقرار الضبط هذا وقف العنف المنسوب لأعضاء هذه الجماعة، أى أنه يريد أن ينتفض من أجل القانون، وهذا ما أظنه، لكن تساؤلى هنا يبحث عن أسباب إغماض عين النائب العام عن ضبط وإحضار من اقتحموا حزب الوفد وأشعلوا فيه النيران وهددوا باقتحام قسم الدقى وأعدوا العدة لذلك، فأى قانون هذا الذى يطبق على الخصوم ولا يطبق على الأحباب، وأى قانون هذا الذى يعتبر الهجوم على مقر موقع إخوان أون لاين إرهابا، بينما الهجوم على حزب الوفد والتهديد بالهجوم على قسم الدقى «مناغشة»؟
أسأل أيضا لماذا لم يأمر النائب العام بأن يحضر «صبى» خيرت الشاطر الذى انتشرت صوره فى محيط قصر الاتحادية وقت هجوم الإخوان على المتظاهرين الذين شهد لهم رجال الشرطة بأنهم كانوا سلميين، أسأل أيضا عن سبب إغماض النائب العام لعينه عن التهديد بحرق الدولة من جانب شيوخ الفضائيات، وأسأل أيضا عن سبب إغماض النائب العام لعينه عن الإفراج عن الإرهابيين الحقيقيين الذين اعترفوا بجرائمهم وترتيباتها أمام القضاء وصدر ضدهم أحكام نهائية، وأسأل أيضا عن سبب إغماض النائب العام لعينه عن التهديد العلنى لوزير الداخلية السابق واتهامه على قارعة الطريق من جانب حازم صلاح أبوإسماعيل بأنه متواطئ، وأسأل أيضا عن سبب الإفراج عن متهمى الاتحادية الذين تم ضبطهم متلبسين بالأسلحة النارية، وأسأل أيضا عن هؤلاء المتهمين بتزوير بطاقات الاقتراع بانتخابات الرئاسة بالمطابع الأميرية، والتى اعترفت بها اللجنة القاضية التى أشرفت على الانتخابات، وأسأل وأسأل وأسأل، ولا مجيب.
تلك هى العدالة الإخوانية العوراء التى تضرب القضاء فى مقتل وتهوى بدولة القانون إلى القاع، وانتظروا فى الأيام القريبة القادمة أكبر اختراق سيشهده تاريخ القضاء، حيث سيتم إدخال «آلاف» الإخوان إلى النيابة العامة، ليتم ضرب القضاء من المنبع، ووقتها فقط سنعرف ماذا فعل مرسى «بالفرصة» التى يطالبنا أنصاره بأن نعطيها له.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة