الفساد والرشوة والمحسوبية هى التى تسىء للاقتصاد، وتطفش الاستثمار، وأى مجتمع يسعى للديمقراطية، ويريد جذب الأموال، عليه أن يحرص على الشفافية، ويقاوم الفساد. ولا يمكن أن يعتبر النشر عن الفساد والمحسوبية، هو الذى يسىء للبلد. نقول هذا بمناسبة ما يردده بعض رجال السلطة الآن، ويعتبرون الإعلام معادياً لمجرد أنه يطرح تساؤلات، أو ينتقد سياسات فاشلة، ويطالب بالمزيد من الشفافية. وقد صدرت عن الرئيس، والحكومة، والمرشد والجماعة، اتهامات ترى الإعلام معادياً. ويكررون ما جرى خلال النظام السابق، بل ربما يسبقونه، ونرى عشرات البلاغات تتهم الصحفيين والمذيعين، بل مواطنين وسياسيين بالإساءة والقذف والسب. وهى بلاغات سوف يقضى القضاء فيها بالإدانة أو البراءة. لكنهم لا يكتفون بذلك، ويطلبون المزيد من القيود.
لقد واجه الإعلام فى عهد نظام مبارك هجمات من الحزب الوطنى، وكثيراً ما اتهمت الإعلام بأنه يركز على السلبيات والانتقادات، ويبالغ فى النشر حول قضايا الفساد، بما يسىء إلى صورة الاقتصاد ويؤدى لتطفيش المستثمرين. وفى عام 1996 تم اختراع القانون 95 الذى كان ينص على عقوبات الحبس فى قضايا النشر، ويحاصر الإعلام. كانت الصحف نشرت تقارير ومستندات وآراء حول قضايا فساد نواب الحزب الحاكم، حيث ظهر نواب الكيف والفساد، وكانت المناصب والوظائف والأراضى توزع على المحاسيب. وبدلاً من أن يرد الحزب الحاكم على ذلك اعتبر أن النشر عن الفساد يسىء للبلد، أكثر من الفساد نفسه.
تكرر النشر، وتكررت الهجمات على الإعلام، الذى استفاد من تطورات ثورة الاتصالات فى العالم، ولعبت الصحافة الحزبية والخاصة والفضائيات دوراً فى توسيع دوائر النقد والعمل السياسى، وكان كل هذا ينعكس فى صورة هجمات من الحزب الحاكم.
وكان النظام يتحدث عن أن الإعلام يجب أن يقدم نقداً بناء، وليس نقداً هداماً. وكانت حجة الحزب الوطنى فى محاصرة الإعلام الذى اعتبروه يبالغ فى تسليط الأضواء على الفساد، بما يسىء لصورة الاقتصاد فى الخارج ويجعل المستثمرين يترددون فى الاستثمار بمصر، وأن الحزب مع حرية الصحافة والإعلام بشرط أن يكون النقد بناء وليس هداماً.
والحقيقة أن النقد البناء هو نفسه النقد الهدام، لأن الانتقاد يوجه للفساد بهدف هدمه وإزالته والتخلص منه، وعندما يتحدث الإعلام عن أهل ثقة، واستبعاد أهل الخبرة، يكون الهدف هو هدم قيم الواسطة والمحسوبية.
الفساد والسرقة ونهب المال العام، والرشوة، والمحسوبية هى التى تسىء للاقتصاد، وتسىء للدولة، وتطفش المستثمرين. كما أن غياب الشفافية، والمعلومات والبيانات والأرقام الكاذبة تسىء لأى نظام أكثر مما يسىء انتقاد الكذب. بينما انتقاد هذا وتسليط الضوء على الفساد فكلها أمور يجب هدمها من أجل بناء نظام حر وديمقراطى.
وعليه، فإن حديث الرئيس عن الإعلام المتجانس، وحديث المرشد عن الإعلام المتربص، هو حديث المعارضة، التى أصبحت فى السلطة، تتبنى ما كانت السلطة تتبناه من قبل. بينما الإعلام، هو الإعلام الهدام للفساد والرشوة والمحسوبية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة