فى بعض الأحيان تتكالب علينا الشدائد، فنقف مدافعين عن حقنا فى الحياة، ولا نجد سوى الحياة نفسها لنتشابك معها، فتتعبنا ونتعبها معنا ولا نجد الخلاص.... على الرغم من أننا عند محاولتنا لإنهاء هذا التشابك نجد الخلاص، ولكن باختيارنا ندخل فى دوامة من المعارك، ولا نستطيع الخروج منها سوى بالتوقف عن المقاومة حتى تسحبنا الدوامة إلى الأسفل، لنخرج من مجال تيارها.... فالهدنة فى بعض الأوقات تكون السبيل إلى حياة نختار نحن تفاصيلها.
وقد نحتاج فى أوقات الشدة لمن يساعدنا على فك الاشتباك مع الحياة .. وننتظر الخلاص والمخلص فلا يأتى الخلاص وﻻ يظهر المخلص ولو اتتظرنا مائة عام... ﻷن الخلاص لن يهبط علينا من السماء فنحن من ننجزه... والمخلص ليس المارد السحرى الذى نستدعيه من المصباح، ولكنه المارد الذى بداخلنا، فكل ما علينا أن نستدعيه ونبدأ أولى خطى الخلاص... لنكن لأنفسنا هذا الشخص الذى طالما طال انتظاره ليخلصنا من متاعب الحياة، ويفك الاشتباك بمصالحة تنص على التعاون بيننا وبين الحياة....
فنحن من نقرر بداية الهدنة بعدم التشبث بأسباب الصراع والالتفات إلى ما يرسخ معانى الأمان، ولعلها تكون أشياء أقرب مما نعتقد، وقد تكون بين أيدينا مستقرة وثابتة، ولكن نحن من نتجاهلها متوجهين نحو السراب، وفى أحيان أخرى نلهث وراء الصعاب. فلنجرب أن نترك طرف حبل الأحلام البعيدة فإن كانت من نصيبنا ستأتينا طائعة للقدر دون إنهاك قوانا بالتشبث بها، وهى ليست لنا... فمن أكثر الأمور ضياعا للعمر خوض المعارك الخاسرة مع الحياة، بهدر العمر وإفنائه فى سبيل السراب أو من أجل معاندة القدر، فى حين أن القدر لا يعاند ولا سبيل معه إلا الرضى والتسليم، فالعناد معه لن يأتى إلا بالأحزان... وهذا لا يعنى التسليم والضعف من أجل الخنوع، ولكنه التسليم بالرضا من أجل التغيير.
ولنبدأ اتفاقية مصالحة مع الحياة بنودها الأساسية التسليم والرضا، فأثقال الحياة مهما زادت على الإنسان فبتحملها يقوى عليها، وبذلك يكون هو الأقوى، أما التبرم منها والتملص من حملها هو الضعف بعينه، وبالتالى التسليم والرضا والتحمل قوة، كما إن التشبث بالرأى والجمود قلة حيلة، أما المرونة ومراوغة الحياة مهارة وقدرة لا يملكها إلا القلة، وبالتالى يكون التشبث بالرأى جمود يكسر صاحبه إذا واجه صاحبه إعصار من رأى معارض، فالمرونة والتقبل يجعل الإعصار عاجزا أمامنا.
وتنتهى الاتفاقيات دائما بالتفاوض والمفاوض الجيد هو الذى يزيد من نصيبه فى الكعكة قدر المستطاع، فكيف يكون التفاوض مع الحياة وما هى المصالح المشتركة بيننا وبينها حتى ترضى بالتفاوض معنا؟؟؟ ولأن البقاء هو العامل المشترك بيننا، فبدوننا لن تكون حياة، فبقاؤنا مهم لبقاء الحياة، فمن يؤمن بأهميته فى الحياة يستطيع أن يقنع الحياة باحتياجها له، وبالتالى لن تتخلى عنه أو تواجهه بمعركة، فسر التفاوض مع الحياة يكمن فى الإيمان بقيمة الإنسان، فأنت مهم وقيمتك فى ذاتك، وكلما زاد إيمانك بهذه القيمة زادت قوتك فى اللتقاوض مع الحياة.
والنصيحة التى أوجهها لنفسى أولا يا نفس "لا تحزنى"، فدائما هناك عوض فما نخسره فى لحظة يأتينا فى لحظة مماثلة مكسب بطريقة أخرى ومن جهة أخرى، فلنتعلم كيف نترك الأحزان تخرج من قلوبنا بلا عودة، ولا نتمسك بها ونستمر فى المعاناة منها، قرر أن توقف المعاناة ولا تحزن وتمسك بمكاسبك الجديدة وتعايش بفرحها، تقبل وجود الأحزان فى حياتك ولكن أتركها ولا تصاحبها ولا تعايشها، وأقبل على الأفراح ولا تتركها تمر عليك بلا تأثير فأنت من تقرر أن تعيش أفراحك أو تعيش أحزانك، وأعقد هدنة مع الحياة تتخلى بها عن معارك تعيقك عن الحياة لتتمسك بآمال تحييك.
خبيرة التنمية البشرية رانيا الماريا تكتب: هدنة مع الحياة
الثلاثاء، 01 أكتوبر 2013 10:16 م
خبيرة التنمية البشرية رانيا الماريا
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
amira
كيف نتصالح
عدد الردود 0
بواسطة:
amira
كيف نتصالح
عدد الردود 0
بواسطة:
رانيا المارية
الفرصة مكفولة للجميع