أيا كانت الاتفاقات والخلافات فى لجنة الخمسين حول مواد الدستور فإن خلافاتهم أو مناقشاتهم لا تشغل الأغلبية من المواطنين الذين أصبحوا يقضون ثلاثة أرباع النهار، ونصف الليل فى زحام المرور، وعلى الكبارى والمحاور. وحتى أعضاء لجنة الخمسين لابد أنهم يواصلون الكثير من مناقشاتهم وهم فى السيارات أو خلف إشارات المرور.
الزحام والاختناق والشلل المرورى أصبحوا حديث الصباح والمساء للرائح والغادى والطالع والنازل.
والزحام لا يتوقف نهاراً أو ليلاً، كل ساعات اليوم أوقات ذروة، لا فرق بين يوم عمل أو يوم أجازة. وبالطبع أكثر من يعلنون غضبهم وتذمرهم سائقو التاكسى، والذين يعتبرون الزحام «خراب بيوت» لأن الواحد منهم لا يتجاوز أربعة مشاوير، فى اليوم لو كان محظوظاً، لكنهم طبعاً لا يهتمون بأن الزبون يكون محبوساً معهم فى كل مشوار.
والمدهش أنه بعد تجاوز الزحام، يكتشف الجميع أنه لا شىء أكثر من الوقوف فى الممنوع، أو الركنات فى المناطق المختنقة، وفى غياب شبه تام لرجال المرور، الذين يظهرون فى العادة بعد نهاية الزحام. تماماً مثل البطل الذى يظهر فى نهاية الفيلم.
وتصل الطوابير إلى كيلومترات على الدائرى والمحاور، وقبل المداخل والمخارج، فيما يبدو أنه تعمد للتعطيل والتنغيص. وتحول الأمر إلى نكتة. ويعلن المزنوقون فى الطوابير أن هناك حلاقين على الطرق، لأن الركاب يحتاجون إلى الحلاقة، وأيضاً للطعام والشراب. وهناك حالات ولادة، وبعض أصحاب السيارات، يصطحبون معهم أكلهم وشرابهم وتساليهم لقضاء وقت الطابور المرورى.
هناك طبعاً تفسيرات مختلفة للزحام، بعضها يستند لدعوات إخوانية بالتنغيص على الناس، لكن حتى لو حاول البعض صنع أزمة فسوف يتذوق منها، ثم إن الزحام مستمر طوال سنوات، وإن كان تضاعف فبفضل تضاعف أعداد السيارات. والأهم هو عدم تطبيق القانون، فى حالة من التواطؤ. وهو أمر يعيدنا للخلافات والمناقشات حول الدستور، وكما قلنا من قبل مهما كانت هناك دساتير وقوانين تبقى بلا قيمة طالما افتقدت لجدية التطبيق. وإذا كانت الدولة أو الحكومة يتحدثون عن هيبة فإن الهيبة تبدأ من المرور والقدرة على تطبيق القانون بحسم وبلا استثناءات.
ومن المؤكد أن المواطنين مشغولون أكثر بما يمكن أن يرتبه الدستور فى المرور وتنظيمه، وهو أمر ربما يرى البعض أن الدستور غير معنى به. بينما الحقيقة أن هذه التفاصيل البسيطة هى التى تحدد الفرق بين الدول المتقدمة، والدول المتخلفة. وربما على لجنة الدستور أن تقول للدولة والحكومة أن عدم تنظيم المرور أمر يعطل الدستور. لأن الحكومة قد تتحجج بأنها مشغولة بمواجهة الإرهاب، وأن جماعة الإخوان تصر على ممارسة التنغيص حتى النهاية. لكن هذه الحجج، تعطى «المنغصاتية» مؤشرات نجاح.
ومع خالص الاعتراف بجهد الحكومة فى مواجهة الانفلات الأمنى، فإن نجاحها ألا تنشغل بما يريد المعطلون شغلها به، وأن تتفرغ للبحث عن طرق علمية ومعملية لمواجهة أزمة المرور، ساعتها يمكن للناس أن تجد الوقت للانشغال بالدستور.