أخطأت حكومة الدكتور حازم الببلاوى عندما أعربت عن دهشتها من توقيت إعلان الإدارة الأمريكية تعليق جزء من المساعدات الأمريكية لمصر، فالقرار الأمريكى لأى متابع فى الشارع المصرى ليس مستغربًا ولا مثيرًا للاندهاش، بل كان متوقعًا فى أى لحظة.
فالرئيس الأمريكى أوباما لن ينسى صفعة 30 يونيو التى أسقطت وهم المشروع الأمريكى الجديد للسيطرة على المنطقة وتقسيمها بالفوضى الخلاقة، باستخدام جماعة الإخوان، انطلاقًا من مصر، وتنفيذ المخطط الذى أعلنت واشنطن عن رعايته بالكامل، والإنفاق عليه مليارات الدولارات من أموال دافعى الضرائب الأمريكية منذ بداية الألفية الجديدة، وتداعت من ورائها مخططات أخرى لها أطماعها فى مصر، ودورها فى المنطقة. أوباما فشل فى احتواء الثورة الشعبية والإدارة المصرية الجديدة بعد 30 يونيو، وإخضاع الإرادة والقرار المصرى للإرادة الأمريكية، وفقًا لسيناريو التبعية الذى استمر منذ منتصف السبعينيات وحتى زوال المشروع الإخوانى، فلم يجد أمامه سوى الابتزاز الأمريكى المعتاد والمألوف منذ الخمسينيات والستينيات، بالتلويح بورقة المساعدات الأمريكية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية لا تتعلم الدرس، وتعتمد على قاعدة أن «الشعب المصرى لا يقرأ» فتعيد تكرار سيناريو رفضه المصريون بعزة وكرامة فى الخمسينيات والستينيات، حفاظًا على استقلال القرار والإرادة الوطنية فى مواجهه التبعية الأمريكية. ليس على حكومة الببلاوى - وعلينا أيضًا- أن نندهش أو نستغرب أونهتز، فالتلويح بقطع المعونة ليس الأول من نوعه، وأتمنى أن يكون الأخير هذه المرة، لنقول شكرًا للولايات المتحدة الأمريكية على قرارها «الغبى»، فمصر لم تعد فى حاجة لهذه المساعدات التى تقدم من أجلها تنازلات كثيرة. وبميزان المكاسب والخسائر فإن واشنطن وإسرائيل هما الرابحتان من هذه المساعدات «2.1 مليار دولار»، فمصر بموجب المساعدات والمنح الأمريكية تسمح للطائرات العسكرية الأمريكية بالتحليق فى الأجواء العسكرية المصرية، ومنحها تصريحات على وجه السرعة لمئات البوارج الحربية الأمريكية لعبور قناة السويس، إضافة إلى التزام مصر بشراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة، وفوق كل ذلك الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد، والحفاظ على استقرار العلاقات مع إسرائيل. إذن قطع أو تجميد المساعدات يحلّ الدولة المصرية من التنازلات التى تصيب الأمن القومى المصرى فى الصميم، ويكفى ما يحدث فى سيناء التى غابت عنها مصر حتى سقطت فى أيدى الإرهاب، ويفتح الأبواب المغلقة أمام تنويع مصادر السلاح المصرى، والاعتماد على التكنولوجيا العالمية المتنوعة من الشرق والغرب، ويدعو القوى الدولية مثل روسيا والصين إلى ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكى ورغبة مصر وغيرها فى مد يد التعاون مع موسكو أو بكين.