الدول الحديثة والديمقراطية تصدر القوانين لكى تطبقها، وليس لوضعها فى الأدراج. وكل دول العالم الحديثة لديها قوانين لتنظيم التظاهرات، بحيث تضمن التعبير عن الرأى، مع ضمان حماية المجتمع وألا تخرج عن السلمية. ولا يمكن تصور أن يتم تقنين المظاهرات المسلحة، أو قطع الطرقات أو الحرق والتخريب.
والحقيقة أن فكرة وجود قانون لتنظيم التظاهر والتعبير السلمى مطروحة منذ سنوات، وفى السنوات الأخيرة لمبارك كان الحزب الوطنى يطرح فمرة وجود قانون، لكنه كان يميل نحو القمع والتضييق. وكان هذا هو سبب الاعتراضات على قوانين تشرع للقمع، ولم يكن الاعتراض من ناحية المبدأ. بل لأن كل طرف يعتقد أن القانون مخصص له.
وبعد ثورة يناير لم يتوقف الجدل والمطالبة بقانون لتنظيم المظاهرات، تم طرحه فى مجلس النواب المنحل وفى وجود المجلس العسكرى، وتجددت المطالبة به فى مجلس الشورى بعد تولى مرسى. ويومها تكررت المناقشات والاعتراضات، بعضها له وجاهته، والبعض الآخر اعتراضات بلا مضمون. وكان آخر مشروع قانون تم طرحه فى الشورى من جماعة الإخوان، يتضمن تحديد بدايات ونهايات ومواعيد وموضوعات المظاهرات. وكان الإخوان يدافعون عن فكرة التقنين وأن وجود التشريع ضرورة. يومها قلنا إن كل دول العالم لديها تشريعات لتنظيم التظاهرات وأن هناك عناصر مشتركة بين الدول الديمقراطية. أن التظاهر مسموح لأوقات وفى أماكن محددة، وأنه محظور فيه السلاح، أو قطع الطرقات أو ممارسة العنف أو الاعتداء على مؤسسات الدولة. وفى المقابل على الدولة تأمين المتظاهرين وعدم المس بهم.
هذا فى الدول الكبرى، أما فى الدول المتخلفة فالأمر يتحول إلى مزايدة، وجدل عقيم، فعندما كان الإخوان فى السلطة طرحوا القانون، لكنهم اليوم سوف يعلنون أنه ضدهم، والحقيقة أن معارضيهم أيضاً قالوا إن الجماعة تسعى لمواجهة المعارضين.
ونفس الأمر أيام المجلس العسكرى فقد كان هناك من يرفض القانون من الأساس، ويعتبره حجراً وقمعاً. ولم يخضع الأمر لمناقشة جادة. وتاه غالباً بين من يريدون سيادة القمع أو «القمعجية»، ومن يريدون سيادة الفوضى «الفوضجية»، بينما المواطن ضائع بين كل هؤلاء يدفع ثمن المزايدة والتعطيل.
وقد عاد الجدل من جديد بعد إعلان الحكومة عن قانون لتنظيم التظاهر، هناك من يعترض من حيث المبدأ معتبراً القانون ضد الحقوق الشخصية، متجاهلاً أن أكبر الدول الديمقراطية لديها قوانين تنظم ذلك وتعاقب على الفوضى أو التظاهرات المسلحة. وهو نفس ما قلناه عن قانون الإخوان ونقوله اليوم.
الشرط أن يكون القانون موافقاً لحقوق الإنسان، ولا مانع من الاستفادة من الدول الديمقراطية. ألا يتم الاستسلام للقمعجية ممن يريدون مصادرة حريات التعبير نهائياً، وفى نفس الوقت يضمن الالتزام بسلمية التظاهرات، وعدم المس بالممتلكات العامة والخاصة. وهو أمر يمكن التوصل إليه من خلال حوارات حقيقية، وعدم الانسياق لدعاوى القمع أو دعاوى الفوضى، وأن يتم تجاوز حالة المزايدة التى تجعل المجتمع ضحية لخلاف القمعجية والفوضجية.