ناجح إبراهيم

الرسول يحذركم من فوق جبل عرفة

الأربعاء، 16 أكتوبر 2013 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكتب هذا المقال يوم عرفة أفضل وأشرف أيام العام ثواباً ومغفرة. . إنه يوم المغفرة واجتماع الشمل.. وهو الذى يباهى فيه ربنا سبحانه ملائكته "انظروا يا ملائكتى هؤلاء عبادى جاءونى شعثاً غبرا ًيرجون رحمتى ويخافون عذابى. . أشهدكم يا ملائكتى إنى قد غفرت لهم".

فى مثل هذا اليوم وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فى أصحابه الذين اجتمعوا له.. حتى الذين لم يروه من قبل جاءوا فى هذا اليوم ليسعدوا برؤيته وسماعه.

نظر الرسول على يمينه ويساره وأمامه وخلفه فرأى الجموع مد البصر، فقد اجتمعت له الآلاف المؤلفة.. اجتمعوا حوله اليوم محبين بعد أن بارزوه بالعداوة والشقاق سنوات طويلة.. اجتمعوا إليه خاشعين منصتين بعد أن كانوا له قبل ذلك محاربين ومتآمرين.

إنهم غرس الدعوة الذى غرسه.. إنهم نتاج حلمه وصبره وعفوه وكرمه.. إنهم نتاج محبته للناس ودعوته لهم لا عليهم.. إنه يبادلهم حباً بحب. .
ولكن الرسول فى بداية الحديث يصدمهم بقوله:"أيها الناس اسمعوا قولى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا"

ياااه. . إنها إذا كلمات مودع.. ووصايا نبى يكاد يفارق أحبابه بعد أن أنست به الدنيا وسعدت لسنوات.. كيف تلمح يا سيدى بالرحيل ونحن لم نشبع منك. . وإذا بالبكاء يشتد.. وجرير يستنصت الناس.. فأنصت الحجر والرمل والقفر والدنيا كلها لكلمات نبى عظيم يودع أصحابه والدنيا كلها.

وها هو يستودعهم خلاصة دعوته وزبدة رسالته.. وفى بدايتها يستثير فضولهم واهتمامهم بقوله "أى يوم هذا"؟ فسكتوا وكأنه سيسميه بغير اسمه. . فقال: أليس يوم الحج الأكبر.. قالوا: بلى.. وبنفس الطريقة سأل عن أى شهر هذا؟.. وأى بلد هذا؟.. وسكتوا وأجاب: أليس الشهر الحرام والبلد الحرام ثم استطرد فى براعة وحسن استهلال الداعية العظيم: "أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا؟ .

وكأنه يلخص رسالته فى هذه الكلمات الرائعة.. سبحان الله وكأنه الآن يخاطبنا "لا تتحولوا إلى قابيل وهابيل المصرى. . لا يسفك بعضكم دماء بعض. .إياكم واستباحة الدماء أو الأموال أو الأعراض. .

إنها والله ملخص رسالته.. حقن الدماء المعصومة هو ميراث النبى الحقيقى. . هو بداية الرسالة ونهايتها.. وكأنه يعيش بيننا فى مصر والعراق وسوريا وأفغانستان.. وكأنك يا سيدى تشير إلى المتفجرات التى تقتل المئات فى لحظة واحدة.

ما أهون دماء المسلمين على بعضهم البعض. . وما أهون أكل أموال الناس بالباطل وانتهاك أعراضهم.

والغريب أن النبى (صلى الله عليه وسلم) فى آخر خطبته يكرر نفس المعنى ويلح عليه.. وكأنه يدرك أن أمته لن تستجيب لندائه الأول فيقول فى ختام خطبته:

"تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم.. وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم".

واليوم يا سيدى رعيتك منقسمة على نفسها طلبا ً للسلطة ورغبة فيها وصراعا ً عليها.. وكل يكفر الآخر.. تركوا دعوتك وهديك وتنازعوا بين من يؤيد فلان أو فلان.. أو "بين تسلم الأيادى أو شعار رابعة".. وكأن من حمل هذه فهو كافر.. ومن رفع هذه فهو مؤمن.

انقسمت رعيتك يا سيدى يا رسول الله على الدنيا ومغانمها.. وبعضهم يزرع للآخر المتفجرات على الطريق بعد أن يكفره. . وبعضهم يطلق النار على الآخر فنحن فى الفتنة التى "لا يدرى القاتل فيها فيم قَتَل.. ولا يدرى المقتول فيها فيم قُتل".

وفى الختام يلقى الرسول الكريم على صحابته بيانه النهائى "ألا إن كل شىء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع ".. ولكن بعضنا أعاد الجاهلية مرة أخرى.

إننا اليوم نعانق الجاهلية ولا ندوسها.. فكلنا يتعصب لنفسه وحزبه وجماعته وفصيله ويدور معهم حيث داروا.

وقد يقتل ويشتم ويسب ويكفر ويلعن من أجل حزبه وفصيله. .لقد كسرت لنا يا سيدى من قبل قيود الجاهلية وعصبيتها المقيتة. . ولكننا يا سيدى عدنا نكبل أنفسنا بها من جديد.

حتى فى الحج يا سيدى نريد أن نأخذ معنا صراعاتنا وشعاراتنا السياسية.. فى الحج الذى يستوى فيه الفقير مع الغنى وتذوب فيه الأجناس والأعراق وتختفى فيه الرتب والدرجات.

وكأننا نريد أن نفسد آخر ما تبقى لنا من شعائر دينية خالصة مخلصة. . لقد تلوثت المساجد والمنابر بالصراع السياسى والحزبى حتى كاد عوام المسلمين أن يكرهوا يوم الجمعة من كثرة ما يراق فيه من دماء ومن كثرة قتلاه وجرحاه وشعاراته السياسية. .فهل ندمر الحج آخر حصوننا.. فيا سيدى يا رسول الله هذه أمتك يكاد أن ينفرط عقدها.

لقد ضمت هذه الخطبة الرائعة أعظم ختام " إنكم ستسألون عنى؟ فماذا أنتم قائلون؟".. فبكوا جميعاً قائلين: "نشهد أنك بلغت.

لقد رددت عليهم يا سيدى يومها بكلمتك الرائعة وأنت تشير إلى السماء: اللهم فاشهد.
لقد بلغت يا سيدى وأتممت الرسالة.. ولكن العيب فينا. . نحن الذين شوهنا رسالتك ومزقناها. . ولم نهتم إلا بظاهرها. . ولم نعرف جوهرها. . نحن يا سيدى سخرناها للدنيا. . وجعلناها مطية لأغراضنا.

فعذراً يا سيدى. . فالعيب فينا. . أما أنت يا سيدى فقد شهدت لك جموع الصحابة يومها بالبلاغ الكامل وشهدت كل الأجيال بذلك. . ونحن نشهد بذلك. . ولكن ما حيلتنا وقد غلبتنا أهواؤنا؟ .. وقدمنا الخلق على الحق سبحانه. . ولم ندر حول الشريعة ولكننا أصبحنا ندور حول ذواتنا وأغراضنا وأحزابنا ودنيانا وجاهنا.. وآه.. آه من يوم لقائك يوم القيامة.. واخجلا منك يا سيدى يا رسول الله يوم نلقاك وقد فرطنا كثيرا ً فى الأمانة العظيمة التى تركتها لنا.

فما أشد خيبتنا يوم نلقاك غداً لتقول للكثيرين منا "لقد غيرتم وبدلتم بعدى فسحقاُ سحقاُ". . إننا نأمل فى شفاعتك مع عفو الله وكرمه وجوده وإحسانه. . فيارب عاملنا بكرمك ولا تعاملنا بعدلك.












مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة