د. محمد على يوسف

أسوار التقديس

الخميس، 17 أكتوبر 2013 05:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نحن أمة تعشق تقديس ما ليس بمقدس..
هذه للأسف حقيقة أراها ساطعة كالشمس فى كبد النهار.
شعب يبحث عن أسوار يحيط بها «تابوهات» معينة، ويعتبرها مناطق محرمة لا يجوز لأحد أن يجترئ يوما ويختلف معها أو ينتقدها، وياللمصيبة لو ازدادت جرأته وقرر أن يرفضها أو يبغض تصرفاتها ومواقفها أو حتى يبغضها شخصيًا.
فتش فى أفكارك برهة، وستجد عينك لا محالة تصطدم ببعض تلك الأسوار الموروثة التى حرصوا دومًا أن تظل عالية لا يستطيع نظرك أن يجاوزها فضلاً على القفز عليها، وفحص ذلك المقدس المزعوم القابع خلفها وتفنيد قداسته ونقض عصمته الكاذبة.
فتش جيدًا وصدقنى ستجد..
لا أتحدث هنا عن المقدسات الدينية والعقدية التى هى فى الحقيقة الشىء الوحيد الذى يُقبل أن تكون له قداسة، ذلك لأنه يكتسب قداسته من القدوس سبحانه وتعالى نفسه. لكننى أتحدث هنا عن أشخاص وأحداث وأماكن وهيئات ظلت أسوار العصمة تُبنى حولها رويدًا رويدًا حتى شكلت فى وجدان الشعب قداسة كاذبة لا تسمح بمجرد الاختلاف معها ونقدها، ولا تقبل أن تنطبق عليها قاعدة الإمام مالك بن أنس رحمه الله «كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا المقام». لا أحب أن أغير عادتى وأعين أمثلة محددة تدخلنى مع مُقَدِّسِى تلك التابوهات ومعظميها فى جدليات سفسطائية لا تنتهى، ولكن دعنا كعادتنا فى هذه الزاوية الأسبوعية نجعل الأمر مجرد حراك ذهنى متجرد نحاول بمعاوله أن نكسر أسوار التقديس المزعوم.
دعنا لا نسمى شيخًا إذا اختلفت معه ورفضت مواقفه السياسية واختياراته صرت فى لحظات سيئ الأدب آكلا للحوم العلماء المسمومة. ودعنا لا نسمى جماعة أو حزبًا إذا فكرت فى انتقاده صرت بين عشية وضحاها خائنًا أو منبطحًا أو مفرطًا أو جاهلاً لا تفقه معنى العمل الجماعى. ودعنا لا نعين رمزًا سياسيًا أو شخصية عامة إذا ما هاجمت مواقفها أو فندت آراءها صرت فورًا رجعيًا متخلفًا لا تفقه تطورات العصر، ولا تدرك السنين الضوئية التى تسبقنا بها تلك الشخصية. هكذا تجد نفسك فى النهاية بصدد عدد لا متناهٍ من الأسوار والحواجز التى بناها الأتباع والمغالون والمهللون، والتى ينالك بمجاوزتها كل انتقاص وازدراء. كيف تسول لك نفسك أن تغضب أو ترفض أو تنتقد أو تختلف ؟! وكأن هؤلاء المقدسين صارت لهم عصمة توازى عصمة الأنبياء، وتساوى رمزيتهم رمزية الشعائر والأنساك. بل هى فى الواقع تزيد كثيرا وإنَّ غضب المهللين المعظمين لها عند انتهاك حرمتها المزعومة يتجاوز أحيانا غضبهم للأنبياء والشعائر والأنساك التى يقبل بعضهم انتهاكها، وربما إهانتها بدعوى حرية الرأى.
حرية رأى تبيح لبعضهم سب الله ورسله لكنها فى الوقت نفسه تحرم انتقاد رموزهم، وكأن لهؤلاء حرمة تجاوز حرمة الصديق أبى بكر والفاروق عمر رضى الله عنهما حين نزلت آية تنتقد رفعهما لأصواتهما فى حضرة النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل حينئذ: كاد الخيران أن يهلكا.
وكم فى حق الأخيار من معتبات وقعت وانتقادات حدثت لا يتسع المقال لذكرها جميعًا لكنها ببساطة توضح أن النقد والخلاف ليس جريمة فما باله فى حق مقدسات اليوم المزعومة صار من الكبائر والأوزار؟! إنها الأسوار.. فتش عنها جيدًا واحرص على تكسيرها ونقضها وسبِّر عنها الأغوار فليس ينبغى أن يكون فى النفس من أسوار إلا ما بنته الشريعة حول حرماتها.
بخلاف ذلك فلا مقدسات.. ولا أسوار.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة