فازت غانا لأن لاعبيها يحبون كرة القدم ويستمتعون باللعب، ولأنهم وجدوا أمامهم فريقا عجوزا يقوده رجل بارد بدون خيال يقال له «مستر»، يشبه الذين يظهرون فى الأفلام الوثائقية، يمشون فى المستنقعات لدراسة أنواع نادرة من الأسماك.. رجل فاشل، لم يستطع أن ينتقى من تسعين مليونًا فريقا متجانسا أو بدلاء أكفاء، معظم الذين وثق فيهم يحبون أنفسهم أكثر من حبهم لوطنهم، لم تظهر ابتسامة المجاهد أبوتريكة «الساحرة» إلا بعد الهدف السادس فى مرمى فريقه، ومعلق الجزيرة يشيد بأدائه وعبقريته، كأننا كنا نشاهد مباراة أخرى، لماذا الإصرار على شديد قناوى، وما موقع محمد نجيب من الإعراب، والذى تسبب فى هدفين وأهدر فرصتين لهدفين، ما معنى وائل جمعة وحسام غالى اللذين يشعرانك بأنك تشاهد لاعبين من زمن الأبيض والأسود.. أنت أمام فريق يقوده حازم الببلاوى شخصيا، لا يفهم ماذا يريد الشعب منه، ستة أهداف نزلت كالسكاكين على الجمهور الذى استعد واحتشد للفرح، ستة أهداف نزلت باسم مصر إلى ذيل القائمة، إلى عصور سحيقة فى اللعبة، ولكى تتعافى عليها أن تتعلم كل شىء من أوله، أن يتعلم اللاعبون شيئا آخر غير التمرير والتصويب وما إلى ذلك.. كرة القدم لها علاقة بالموسيقى والشعر والرسم والكرامة، على مصر أن تتخلص من معلقى ومحللى جمال مبارك الذين استولوا على أدمغة وأموال الناس، وكأن مصر لم تقم بثورتين.. عليها أن تتخلص من العواجيز، لأن فى مصر شبابا أفضل منهم، وغير مسموح لهم بالتعبير عن أشواقهم فى ظل وجود مدرب أمريكى بطىء الفهم، جاء إلى القاهرة ليلتقط صورا تذكارية.. لسنا فى سياق خطط وتشكيل وكلام محللين تافهين برروا الخسارة بتوقف الدورى، وغياب الأمن فى الشارع المصرى.. كل الموضوع أن مجموعة من الهواة اجتمعوا لكى «ينكدوا» على أهلهم يوم العيد. وأنت تشاهد المباراة تشعر أن لاعبيك يتعرفون على بعضهم البعض لأول مرة، وتشعر أن معلق الجزيرة يعرف نتيجة المباراة قبل بدايتها..
المباراة الفضيحة أكدت أن وائل وحسام غالى وعاشور وإكرامى وأبوتريكة وقناوى ونجيب وأحمد فتحى ووليد سليمان «حلو لغاية كده»، لأنهم كان على بعد 180 دقيقة من المجد وفرطوا فيه، مباراة مهينة للكرة المصرية، أثبتت أننا مبدعون فى الفشل و«كسر خاطر» الجمهور المتعطش للنصر، نحن فى حاجة إلى ثورة لاستعادة اللعب والبهجة والفرح والفطرة النقية، ثورة تطيح برجال جمال مبارك وخيرت الشاطر وأبوتريكة وحازم أبوإسماعيل وحازم الببلاوى، لكى نعبّر عن أنفسنا بعفوية وعذوبة وقسوة مثل غانا التى غسلت لاعبينا الفاشلين وحاصرتهم «وشكلت عليهم»، نحن فى حاجة إلى معجزة لكى نسترد ثقتنا فى أنفسنا. النتيجة الثقيلة ليست السبب الوحيد، توجد أسباب بعيدة عن المستطيل الأخضر، لها علاقة بالتعليم والصحة والتاريخ والذوق الرفيع.. أن يعرف اللاعبون «الكسيبة» معنى مصر، وأهمية رفع علمها فى المحافل الدولية، خصوصا فى هذا التوقيت الذى تتربص فيه كلاب السكك بها. علينا أن نعترف بالفشل، وأن نتخلص من «المستر»، وأن نعلم أطفالنا «قل لى كيف تلعب أقل لك من أنت»، علينا ألا نعتمد على لاعبى كرة القدم السابقين مادامت هناك كرة وأقدام وأشواق، علينا ألا نعتمد على الحكومة ونحن نلعب، لاعبو غانا يحتفظون بداخلهم ببراءة أهلتهم للدفاع عن علم وطنهم، ولهذا تشعر أنهم كانوا فى حاجة إلى اللعب معا.. «منهم لله اللى كانوا السبب».