لم أنزعج كثيرا حينما رأيت الشماتة فى عيون «الإخوان» عقب خسارة منتخب مصر المدوية فى مباراته مع غانا فى تصفيات كأس العالم، وإن أردت الدقة، فإننى أصارحك بأننى لم أنزعج أصلا، ولم أندهش ولم تعتل وجهى علامات الاستياء، فكما يقولون «ليس بعد الكفر ذنب» وسهل جدا على من هلل لشائعة وصول بارجة بحرية أمريكية إلى سواحل مصر لاحتلالها وتهريب «مرسى»، أن يهلل لفوز منتخب «غريب» على منتخب مصر، وسهل أيضا على من استحل دماء المصريين وأعراضهم وتاريخهم أن يشمت فى هزيمتهم أمام فرقة منافسة، لتبدو أغنية على الحجار هنا «إحنا شعب وإنتو شعب» أخف الأوصاف وأرقها، ففى الحقيقة فإن «إحنا شعب» وإنتوا «خونة».
من يعرف هذه الجماعة عن قرب، يتأكد من أن خيانة الوطن ليست غريبة عنها، وقد كتبت سابقا وحتى قبل أن يتولى الإخوان حكم مصر، إنهم لا يشعرون بما نشعر، ولا يؤمنون بما نؤمن، وليس الوطن بالنسبة لهم سوى مكان يقضون فيه حياتهم أو حاجاتهم، فوطنهم هو مكتب الإرشاد، ودينهم هو بيانات المرشد وخطبه، وقرآنهم هو المصلحة، ودستورهم هو الأهواء الشخصية والحزبية، وبالنسبة لهم فإن مؤسسات الدولة ليست سوى أحد اثنين، أما عدوة أو موالية، لا يؤمنون بأن هذه المؤسسات من المفترض أن تكون مستقلة، لذلك كان غضبهم شديدا من مؤسسات الدولة الراسخة التى لم تقبل التبعية لهم، ولأفكارهم الميتة، فكانت غضبة هذه المؤسسات أكبر، لأنها تعرف أن الاستجابة لأطماع الجماعة تعنى ببساطة التنازل عن «وطن».
ليس غريبا أيضا على التنظيم الدولى للإخوان، أن يستغل كل المحافل الدولية التى يشارك فيها مصريون، ليشوهوا صورة مصر بوقاحة وبلطجة واستقواء وتجبر، فمصر التى فى خاطرنا وفى دمنا، لا تساوى عندهم شيئا، وهى ليست أكثر من حلقة من حلقات خطتهم السرطانية بالسيطرة على مقدرات الشعوب، ومحو تاريخها، ولهذا لم أر شيئا جديدا فى اعتدائهم على الكاتب والراوئى الشهير «علاء الأسوانى»، أثناء ندوته فى باريس، ولا أرى شيئا غريبا فى هتافاتهم العدائية البذيئة، وإشاراتهم الإرهابية المقيتة، وألسنتهم المتعفنة التى يفوح منها الغل والقيح، ولا أرى شيئا غريبا أيضا فى تدميرهم لقاعة المؤتمرات فى معهد العالم العربى بباريس، ومحاولتهم الاعتداء على نائب السفير المصرى، واستخدامهم لأسلوب البلطجة السياسية، مستغلين أجواء الحرية فى أوروبا شر استخدام، وهو الأمر الذى سيجعل الغرب يفكر ألف مرة، قبل أن يمنح أحد هؤلاء ذات الحقوق المدنية التى يمنحها لمواطنيه.
رب ضارة نافعة، حقا، ورب فضحية خطط لها الإخوان وسهروا على تنفيذها، باتت عليهم لتفضحهم وتبرز مساوئهم وإرهابهم، فما حدث فى باريس من بلطجة وإرهاب، ليس أكثر من «عينة» لما نراه يوميا فى مصر، ليعرف الغرب عن قرب بعضا من خصال الإخوان وأفعالهم، وليعاينوا الإرهاب الإخوانى بأعينهم، ويتذوقوه قريبا قميئا مقلقا، وليعرفوا أيضا عبر شاشات الفضائيات، أن هذه الجماعة المنبوذة، تنازلت عن وطنيتها وكشفت عن وجهها «اللامنتمى» للأرض والتاريخ، وصلات الدم والقربى، وليرى العالم «المتقدم» كيف تفتقر هذه الجماعة وأذرعها لأبسط مفردات الحياة المدنية والديمقراطية.