تستمد الأنظمة السياسية احترامها وقوتها من جلال ووقار تحركات أجهزتها الأمنية، وتتحول الدولة إلى مرمى يستوعب أهداف النقد والسخرية إن رزقها الله بقيادات أمنية تمارس عملها على طريقة «الفيل فى المنديل»، أو «العملية فى النملية» كما كان الحال فى رائعة فؤاد المهندس «شنبو فى المصيدة».
لا أبخس رجال الأمن حقهم وهم يواجهون الإرهاب الأسود بصدور عارية، ولكن على الجميع إدراك أن قرارا ضبطيا واحدا غير مدروس، أو تصرفا أمنيا واحدا غير منطقى فى ظروف صعبة مثل تلك التى تعيشها مصر وهى تحارب تيارا إرهابيا يحظى بدعم خارجى، يشوه أجزاء كبيرة جدا من صورة الثورة المصرية، ويمنح الخصوم من الإخوان والمتربصين فى الخارج إعادة تصدير الثورة فى صورة الانقلاب العسكرى القمعى المضاد للحريات.
أقول لك ذلك لأن المنطق ومن اخترعه ربما يسقطان ضحية السكتة القلبية لو وصلهما خبر أن بعض المواطنين فى مصر يتم إلقاء القبض عليهم بتهمة حيازة ملصقات عليها إشارة رابعة، أو كتب ومجلدات إخوانية التأليف أو الهوى، أو لأن أحدهم رفع إشارة رابعة فى طابور مدرسة أو داخل مصلحة حكومية.
أسمعك تقول إننا نتكلم عن حوادث فردية لا تستحق التعليق أو التحقيق أو الخوف؟
لا يا سيدى نحن نتكلم عن كارثة أمنية وعقلية تنتمى لقوائم المهازل التى تسقط دول، أو تضاعف مساحات الرقع السوداء فى ثياب السلطة.
يا سيدى الرغبة الأمنية فى التعملق والقمع تحت شعار محاربة الإرهاب أصابها الجنون ووصلت إلى تلك الدرجة التى دفعت قوات الأمن فى الإسماعيلية إلى اعتقال خمس فتيات، والتهمة - لحظة واحدة أضحك قبل أن أكتب لك تهمة اعتقالهن – توزيع بلالين عليها علامات «رابعة» بالقرب من القسم.
التهمة يا مواطن حيازة بلالين، التهمة يا عم الحاج حيازة بلالين عليها إشارة رابعة، التهمة يا ست ياللى فى أول طابور العيش حيازة بلالين، التهمة يا حاجة ياللى ورا، ويا بنت ياللى قدام، ويا عمو اللى مساك ريموت التليفزيون، ويا مذيع ياللى بتحرض ليل ونهار على عودة الشرطة إلى سابق عهدها.. حيازة بلالين.
وصدقنى إن كانت تهمة اليوم حيازة بلالين عليها إشارات رابعة، فتهمة الغد ستكون نفخ البلالين، أو صناعة البلالين نفسها، وتهمة ما بعد الغد ستكون النفخ زهقا، كل مواطن يتم ضبطه فى الشارع أو داخل مصلحة حكومية وهو يتأفف، وينفخ زهقا من حال البلد أو الروتين الحكومى سيتم اعتقاله بتهمة النفخ.
المسألة مضحكة يا سيدى، أنت تعتقد ذلك، ولكن لا تتمادى فى اعتقادك، لأن كل تصرف أمنى أهوج يمنح الإخوان وغيرهم فرصة لتصدير هذه الحوادث للخارج وكأن الثورة قامت فى مصر لقمع الحريات، والسادة فى الأجهزة الأمنية وأروقة الدولة السياسية صامتون غائبون عن الوعى دون تقديم أى تفسير أو تحرك لمنع هذه المهازل.
هى إذن لعنة أمنية تبحث عن الخلاص السريع من صداع الإخوان بجمعهم فى السجون دفعة واحدة، دون تحريات واقعية وحقيقية عن ارتكاب جرائم دموية أو تحريضية أو اختراق لقانون الدولة، وهذا الاستسهال الأمنى يمنح الإخوان وغيرهم فرصة كبرى لتشويه الثورة، وتحويلها إلى حركة قمعية، وإعادة تقديم الجماعة مرة أخرى للمجتمع فى ثوب ضحية الاضطهاد الأمنى والإقصاء السياسى.. استقيموا وأفيقوا يرحمكم الله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة