فتاتان ممددتان على الأرض فى جامعة الأزهر، مصابتان تغطيهما ملاءة بيضاء غارقة فى الدماء، مشهد مثالى ومرعب لضحايا رصاص الجيش والشرطة ونظام القتلة، وهو مشهد جاهز تمامًا للعرض فى الجزيرة، وسوف يعاد عرضه، مع تعليقات لكبار المحللين الخصوصيين فى القناة، الذين سوف يتبارون فى الحديث عن النظام الدموى الذى يقتل الأبرياء بدم بارد، لكن المشهد لم يكتمل، فقد التقطت زميلة للطالبتين صورة كشفت أنهما تمثلان وأنهما سليمتان لم تصب أى منهما بسوء ولم يطلق عليهم البوليس ولا الجيش رصاصا ولا حتى طوبة، وإنما كلتاهما تدربتا على تمثيل دور الضحية من أجل الفضائيات، وكلتاهما موهوبة فى لعب دور الضحية.
لقد واصل طلاب الإخوان التظاهر فى جامعة الأزهر، ولما لم ينتبه لهم أحد خرجوا إلى الشارع ليقطعوه، حتى يمكنهم أن يصنعوا حدثا، لأن الحدث لا تصنعه مظاهرة سلمية، وإنما يجب أن تضاف إليه رتوش أو تصادمات ولابد من دم يجذب الكاميرات، ويقوم بذلك المحترفون المدربون، بعيدا عن الأبرياء الذين يتظاهرون عن قناعة حتى ولو كانت من خداع.
وأثبتت التجربة دائما، أن من يجيدون التمثيل يمكنهم أن يفوزوا فى سباق الكاميرا والميكروفون، حيث «يجب أن يموت البعض» حتى يمكن للبعض الآخر أن يلتقطوا الصور وينجحوا فى سباق الدم، وإذا كان المثل الشهير يقول إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، فإن الخداع وارد.
طالبات الأزهر الممثلات بارعات فعلا، ومثلهن كثيرون وكثيرات يجيدون التمثيل واللعب، لكن هذه البراعة تصطدم مع أطراف أخرى تحمل كاميرات، يمكنها أن تكشف وتفضح، وتؤكد أن من يكذب اليوم، سبق له أن ارتكب فعل الكذب مرات، وأنه جاهز دائما لممارسة التمثيل من أجل السلطة، وخلال عامين ونصف العام كان هناك العديد من التمثيليات بعضها نجح، وبعضها خاب، بل دفع من يفكرون لإعادة النظر فى الكثير من المشاهد السابقة.
فتيات الأزهر بلا شك بارعات فى التمثيل، مثلما كان فريق التمثيل جاهزا فى الاعتصامات والمظاهرات، رأينا رجلا يسقط غارقا فى دمه فى أكثر من خمسة مشاهد، أو ممثلا يصرخ من عدوان وهمى وهو يبلغ الفضائية، والقناة ليست فى حاجة للتأكد أو المهنية فقط تحتاج إلى صورة أيا كانت لتبثها وتصنع عليها حفلا من محللين ومنظرين، يعملون بالأجر، وهم جاهزون للتعليق، المهم أن تقدم لهم القناة وفريق التمثيل والإخراج مشاهد مؤثرة تلعب على مشاعر المشاهدين، ويضيف إليها المحللون المستأجرون ما يكفى ويزيد.
كاميرا واحدة ونصف الحقيقة تكفى، ليقدم الممثل نفسه على أنه ملاك فى مواجهة شياطين. ولا يهم أن يسقط الضحايا الأبرياء وهم يصدقون الكذب، بينما الكذابون يعرفون أنهم يكذبون. ويرون الكذب نوعا من الكفاح. يتعمدون قطع طرق رئيسية وميادين والصدام، حدث فى المساجد وعلى الكبارى، وعلى طريقة «اعمل نفسك ميت».
المشكلة ليست فى هؤلاء الذين يحترفون التمثيل من أجل الكذب، وإنما فيمن يصدقون أن هناك ملائكة فى مواجهة شياطين، ويستمرون فى تصرفات «مفقوسة» لا يفترض أن تدخل على عاقل، لكنها تدخل على مخدوع.