هذا هو مشهد الانهيار الذى حاولت أن أكذب عينى كثيرا لكى لا أراه، فقد انهار حزب الدستور وشهد خلال الأيام القليلة الماضية استقالات جماعية على مستوى القيادات العليا والقواعد، بعد محاولات يائسة لإنقاذه دون فائدة، وقد عانى هذا الحزب منذ اليوم الأول لتأسيسه من العديد من الاضطرابات والانشقاقات، كان أولها حينما عين الحزب متحدثا رسميا باسمه وأغلق هذا «المتحدث» تليفونه حتى استقال من منصبه الحزبي، ثم تعاقبت الخلافات والانشقاقات والمشكلات العاصفة التى كشفت تعجل الكثيرين من أبناء الحزب لتولى المناصب القيادية للدرجة التى جعلتهم يرون أن وجود العديد من الأسماء المؤسسة عبئا على الحزب، ثم ظهرت المشكلات بين القيادات التى كشفت أن الحزب غير قائم على أفكار كبيرة تتلاشى بجانبها الخلافات الشخصية، ثم أتت استقالة الدكتور محمد البرادعى من منصبه نائبا للرئيس لتؤكد أن الحزب لا يتبع أية أيدلوجية سياسية أو وطنية، وأنه ليس أكثر من تجمع لبعض الشخصيات العامة التى وحدها الظلم ولم تستطع أن التوحد لإقامة العدل.
المؤسف فى مشهد انهيار حزب الدستور هو أن هذا الحزب الذى تعشمنا أن يكون حزبا كبيرا لأفكار كبيرة غير قابلة للذوبان سرعان ما تبدلت أحواله وأصبح فريسة للانشقاقات والاستقالات، والمؤلم هو أن هذه المشكلات العاصفة لا تهدد هذا الكيان الحزبى الذى كان كبيرا بل تعصف بأحلام شباب أنقياء أبرياء ظلوا شهورا طويلة فى شوارع مصر، يحاربون الفقر والجهل والاسترزاق بقلوب صافية وعيون مفتوحة ونوايا صادقة، وهو الأمر الذى يضاعف من مخاطر انهيار الحزب وتفتته، لأن أمرا كهذا كفيل بإشاعة روح اليأس بين هؤلاء الشباب، ما يجعل خطر الرجوع إلى العزوف عن الحياة السياسية قائما وبشدة، وهو ما يضع هؤلاء الشباب فى اختبار حقيقى، ما بين الاستسلام لليأس، أو قهره ودحره والنهوض مرة أخرى.
أكثر العيوب التى كشفها مشهد حزب الدستور المترهل المتصدع هو أنه أوضح للجميع أننا مازلنا ننتظر «المخلص» وأن آمالنا لا تنعقد على «الفكرة» وإنما تنعقد على «الشخص» فبرغم أن الحزب يعانى منذ بدايته من الخلافات القاتلة، لكن مشهد النهاية لم يكن ليكتب إلا بعد أن سافر الدكتور محمد البرادعى بعد استقالته، وفى الحقيقة فإن هذا المشهد يكشف أننا مازلنا فى «سنة أولى أحزاب» وأخشى أن نكون قد سقطنا فى هذه السنة التمهيدية، فالحزب الذى تنعقد آماله وخططه وبرامجه وكوادره على شخص مهما كان هذا الشخص هو بالتأكيد حزب ميت، فمن المفترض أن يستمد الحزب قوته وديمومته وتأثيره من أهدافه العامة وأفكاره التى تم تأسيسه بناء عليها، كما كشف انهيار حزب الدستور عن أننا مازلنا بعيدين كل البعد عن التفكير المؤسسى، فالمؤسسات الكبرى لا تقوم هكذا، والمؤسسون الذين لا يعرفون كيفية الإدارة والتوازنات لا يستحقون أن يكونوا مؤسسين، والمؤسسة التى لا تعد كوارد متشبعين بالفكرة والحلم والهدف ويستطيعون أن يقودوا هذه المؤسسة فى أوقات الأزمات مؤسسة فاشلة، محكوم عليها بالموت، ولعل أهم ما يكشفه هذا الموقف المؤلم الذى يمر به حزب الدستور هو أن الدكتور محمد البرادعى الذى كنت أحد أشد المتحمسين له غير قادر على تأسيس حزب على الطريقة الحديثة، وهو الأمر الذى يؤكد عدم أهليته لتأسيس دولة بالتأكيد.