داهمتنى أنفلونزا لعينة حرمتنى من أيام العيد وما قبله بأيام، وبالتالى لم أستطع أن أتابع أفلام موسم العيد كغيرى فى بداية عرضها، ولكنى اكتفيت مؤقتًا بمتابعة ما كُتب عن أفلام هذا الموسم، سواء فى الصحف أو على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى. وأكاد أن أجزم أن الجميع أجمع على مهاجمة أفلام العيد، ووصفها بكل بذاءة، وتراوحت الآراء فى تطرفها بين مطالبة الرقابة بمنع هذه الأفلام، وبين دعوة على «تويتر» و«فيس بوك» لمقاطعة السبكى الذى يحملونه كل موبقات السينما وسنينها. انقضت أيام العيد وهدأت حدة الأنفلونزا اللعينة، فقررت أن الوقت قد حان لترك مقعد القارئ لمقعد المشاهد ثم الراصد، وتلك هى النتيجة:
1 - السبكى: يتم عرض أربعة أفلام جديدة فى هذا الموسم، هى: «القشاش» و«عش البلبل» و«هاتولى راجل» و«%8»، إضافة لأفلام قديمة من موسم عيد الفطر. أحمد السبكى منتج فيلم واحد فقط، هو «عش البلبل»، أما بقية الأفلام فهى لشركات إنتاج أخرى صغيرة، ويشارك جهاز السينما التابع للدولة فى إنتاج أحد الأفلام وهو «%8». إذن، الحملة القائمة والحديث الدائر وكأن السبكى هو منتج الأفلام الأربعة خطأ، فالرجل ليس سوى منتج لفيلم واحد، أما الفيلم الذى يقدمه فهو مجرد اسكتشات رديئة بلا سيناريو، بلا إخراج، بلا تمثيل، بلا أى حاجة إلا رقصة وأغنية، ورغم ذلك فهل يستحق السبكى كل هذا الهجوم فى هذه اللحظة البائسة من تاريخ السينما المصرية؟ هل السبكى هو المسؤول عن كل تردى السينما حاليًا، فكرًا وصورة ولفظًا؟ هل السبكى هو المسؤول عن التحرش فى شوارع مصر والبذاءة فى ألفاظ الشعب؟ هل السبكى مسؤول عن عشوائية المجتمع وقبحه؟.. الإجابة لا بالتأكيد.
أحمد السبكى يقدم كثيرًا أفلامًا رديئةً مثل «عش البلبل»، وفى أحيان قليلة يقدم أفلامًا قيّمة مثل «كباريه» أو «الفرح» أو غيرهما، وهناك مثل السبكى كثير من منتجى العالم فى هوليوود أو بوليوود الهندية يقدمون أفلامًا شديدة القبح والرداءة، لكنّ السابقتين تنتجان مئات الأفلام كل عام، فإن خرج من بينها فيلم أو حتى عشرة من نوعية أفلام السبكى الأمريكى أو الهندى تضيع معالمها فى وسط مئات أخرى من أفلام جيدة أو متوسطة. كثيرًا ما هاجمت السبكى وأعماله فيما سبق، ولكن فى هذه الأيام التى اختبأ فيها منتجو السينما المصرية الذين صنعوا ثرواتهم منها على مدى أعوام، واكتفوا بأن يضعوا ما كسبوه تحت البلاطة، ويتحسروا على سينما كانت ولم تعد، أكاد لا أجد إلا اسم السبكى الذى ينتج أفلامًا تبقى على صناعة مصرية كانت فى يوم ما أكثر وأهم وأكبر صناعة نصدرها. اصبر أيها العزيز القارئ ولا تقل «أكيد الست دى اتجننت لأنها تدافع عن السبكى»، فرُب قائل: «ولكنه يقدم صناعة رديئة فما فائدتها؟».. حقولك: السينما المصرية صناعة يتعيش منها حوالى 5 ملايين مصرى، فكل الأعمال المرتبطة بها من نجارة وديكور وتصوير وإضاءة وتسجيل ومكياج وموسيقى واستوديوهات وإخراج ودور عرض وعشرات أخرى من المهن، كل هذه المهن تعول حوالى خمسة ملايين مصرى ومصرية.. هذا اقتصاديًا، أما على المستويين السياسى والثقافى، هل يستطيع أحد أن ينكر كيف كان الفن المصرى هو رأس حربة فى قوة مصر وريادتها وسيادتها فى المنطقة العربية وغيرها من مناطق العالم. إذن، نحن حين نتكلم عن السينما نتحدث عن صناعة استراتيجة مهمة أهملتها الدولة على مدى عقود عن غباء وجهل وعدم إدراك لقيمتها. هل السبكى مسؤول عن عشوائية المجتمع المصرى وقبح أخلاقه؟، لا بالتأكيد، لا السبكى ولا أى منتج لفيلم مسؤولون عن صناعة مجتمع قبيح عشوائى، إنهم مجرد راصدين ناقلين لمجتمع تضافرت فيه عدة عوامل ليس من بينها السينما.. السينما تعبير عن عصر، والعصر الحالى عصر قبيح، والسبكى أحيانا يعبر عنه، فهل نحمّل السبكى وزر قبح زماننا بفيلم واحد كل عيد؟.. أظن أنه ليس من العدل، بل من الظلم، ومن الظلم أيضًا أن ننسب له أفلامًا ليست من إنتاجه لمجرد أنها قبيحة، فلا تحملوه كل الأوزار حتى لا نضطر لأن نقول له «إحنا آسفين يا سبكى».
2 - هاتولى راجل: فى الوقت الذى حظى السبكى بكل اللعنات، لم يهتم أحد ممن لعنوا السبكى بالاحتفاء بنفس القدر بفيلم رائع، فكرة جديدة وطازجة كتبها كريم فهمى، الوجه الجديد، وأخرجها محمد شاكر فى فيلمه الأول باسم «هاتولى راجل»، وللأسف يقف فى ذيل قائمة الإيرادات رغم قيمته. فيلم كل من شارك فيه يستحق تحية وقُبلة واعتذارًا عن التجاهل، مقارنة بالهجوم، فكما يجب أن نعتذر لابد أن نعتذر وبشكل أكبر لسينما «هاتولى راجل»، ولا تكتفوا بالاعتذار، ولكن شاهدوا «هاتولى راجل» ستجدونه متعة وضحكًا وسينما نقول لها: إحنا آسفين يا سينما علشان بنشوف الردىء ونهجر الجيد.