الأفكار المبدعة تبدو أحيانا خيالا ولكن الإبداع لا يتحقق إلا بثراء الخيال.. كلما كنت ثريا بخيالك كان إبداعك استثنائيا ومختلفا، وإحياء الاقتصاد فى مصر يحتاج إلى إبداع خاص فى الفكر والتنفيذ.. وإذا كانت الدولة جادة فى تفجير لغم الاقتصاد، فلابد أن تسحب احتكار أى فكرة وتنفيذها من العاصمة، وما حولها على أن يبدأ التنفيذ فى الأقاليم والمدن الصغيرة، فالابتعاد عن العاصمة ضرورة. التجربة المصرية فى زمن عبد الناصر التى اقتربت من تحقيق أفكار العدالة الاجتماعية كانت خارطة التصنيع فيها بامتداد مصر طولا وعرضا مصانع الغزل والنسيج مثلا انتشرت فى كل مصر.. ففكرة أن المصانع والصناعات حاضرة ومقصورة على العاصمة وبعض المدن الكبرى تؤكد أن الفكر والتنفيذ منزوع الإبداع والرؤى.. وهذا الفكر سبب رئيسى فى معاناة مصر اقتصاديا، فالإهمال الاقتصادى للمدن الصغرى والأقاليم البعيدة جعلها أرضا خصبة للتطرف والبطالة.
ليس من العدالة أن تبقى الثروة والعمل والاهتمام فى العاصمة والمدن الكبرى، وتبقى أغلب المدن مجرد كومبارس محتقن يصدر الأمراض الكارثية.. عندما تقرر مصر- مثلا- الإبداع فى صناعة الملابس فليس الحل مصانع العاشر من رمضان، وإنما يجب أن تكون هناك مدن صغيرة فى الأقاليم تصبح ورشا للعمل، وإنتاج كل ما يتعلق باكسسوارات هذه الصناعة والمدن الصغيرة فى مصر تحتاج لأن تصنع ورشا لصناعات حقيقية بتخطيط مبدع، وعندما تمتلك أقاليم ومدن مصر عافيتها الاقتصادية ستكون بداية صحيحة فى الطريق الصحيح.
المؤكد أيضا أن سكان هذه المدن سيكون لديهم زهو بمدنهم وقراهم، وسيشعرون أنهم أصبحوا مصريين وليسوا مواطنين من الدرجة الثالثة، فهولاء عندما يمتلكون طموحا وأحلاما لا يجدون بديلا آخر سوى اللجوء للهجرة إلى العاصمة وضواحيها القريبة ولتتكدس القاهرة بمشاكلها وسكانها. وتجربة الهند وماليزيا ودول النمور الآسيوية يمكن تطبيقها لو كانت هناك إرادة سياسية ورؤى واستراتيجية وخيال مبدع، فمدن هذه الدول قررت أن تتنافس فى صناعات الإلكترونيات وبعض المدن تخصصت فى صناعة الأجزاء الصغيرة فى هذا المجال والجودة والتنافس لا يتوقف على الصناعات الثقيلة، فسويسرا الأكثر والأشهر فى صناعة الساعات والشيكولاتة والدنمارك فى الجبنة.. هذه الصناعات ليست صناعة ضخمة، ولكنه الإبداع والتفكير خارج الصندوق، ومن يملك اقتصاده يملك إنسانيته، ويركب قطار الحضارة الذى لايقف إلا فى محطات التقدم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة